تقرير تقصي الحقائق عن البصرة

15/10/2018

عن التقرير وفريق تقصي الحقائق؟

في منتصف شهر اب 2018 وجه أهالي البصرة وناشطيها نداء استغاثة الى منظمات المجتمع المدني لتسليط الضوء على الازمة التي تمر بها المحافظة، وانتهاكات حقوق الانسان التي ارتكبتها القوات الأمنية بحق المتظاهرين اثناء اندلاع الاعمال الاحتجاجية مطلع شهر تموز 2018.

البصرة كانت بأمس الحاجة الى تظافر الجهود الوطنية والمحلية لتسليط الضوء على ازمة التلوث ومعاناة المواطنين التي نقلتها بعض وسائل الاعلام بشكل غير دقيق وتكتم عنها البعض الاخر بسبب انحيازها السياسي.

استجابة لهذه الدعوات، وتضامنا مع ما تعانيه هذه المحافظة المنكوبة من أزمات تمثلت بوقوع ضحايا في صفوف المحتجين، واستخدام العنف المفرط من قبل القوات الأمنية، وتردي الوضع الصحي والإنساني في مدنها، تطوع مجموعة من الناشطين في منظمات غير حكومية، وصحفيين مختصين في مجال الاستقصاء لتشكيل فريق تقصي لزيارة محافظة البصرة والقيام بجولة لمدة 5 أيام للفترة من 19 الى 23 أيلول 2018.

خلال هذه الجولة تم الاستماع الى عشرات الشهادات والافادات التي ادلى بها مواطنون وقادة التظاهرات ووجهاء وشيوخ واعيان البصرة، نتج عنها كتابة هذا التقرير، الذي نعده مستندا مهما لتوثيق الاحداث طبقا للحقيقة، وتسليط الضوء على الجانب الإنساني، ونقل الاحداث من وجهة نظر المواطنين بحيادية دون التكلف بالإضافة او التحليل او الاستنتاج.

شكر

نود في هذا الصدد التوجه بالشكر لأهالي البصرة أولا، على ترحيبهم واستضافتهم، ولكل من ساهم وقدم المساعدة لإنجاز هذا العمل، ونخص منهم بالذكر:

  • د. كاظم السهلاني، الناشط مهدي صلاح وفلاح حسن من معهد نيسان للوعي الديمقراطي ـ البصرة.
  • الأستاذ ضياء البزوني، والأستاذ بدر السليطي من مؤسسة المربد الإعلامية.
  • الزملاء صائب الشامخ من مؤسسة تبني للشباب، الناشط، مجيد الزبيدي من مؤسسة أبناء النازحين في محافظة ميسان.
  • د. بسمة محمد عضو مفوضية حقوق الانسان، والأستاذ مهدي التميمي مدير مكتب المفوضية في محافظة البصرة.
  • المحامي خالد ماهر من فريق المحامين للدفاع عن المتظاهرين.
  • مديرية استخبارات البصرة وقيادة خلية الصقور.

نتمنى ان نكون قد وفقنا في نقل الرسالة التي وضعها اهل البصرة بعهدتنا

مع التقدير

فريق العمل

الاهداء

يهدي فريق العمل هذا التقرير الى روح الشهيد حارث السلمي، الذي توفي في ظروف غير إنسانية تعرض فيها الى التعذيب من قبل القوات الامنية، ولكل شهداء الاعمال الاحتجاجية التي انطلقت في البصرة.

الشهيد حارث من سكنة قضاء “المدينة” فارق الحياة نتيجة مشاركته في خيمة الاعتصام التي أقامها شباب القضاء قرب شركة “لوك اويل” النفطية بتاريخ 14 اب 2018 بعد قيام قوات الامن بفضها بالقوة وتعرض الى ضربة تسببت بتهشم جمجمته من قبل أحد افراد الامن الذين تركوه ينازع الموت لساعات طويلة.

 

 

 

السيد يان كوبيش ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق

تحية طيبة

 

نرفع لكم هذه المذكرة بالنيابة عن فريق تقصي الحقائق الذي شكلته مجموعة من منظمات المجتمع المدني، وقام بزيارة محافظة البصرة للفترة من 19 الى 23 أيلول/ سبتمبر 2018 استجابة الى نداء اهالي وناشطي المحافظة لأحاطتكم بالانتهاكات الخطيرة التي رافقت تطور الاحداث في المحافظة اثناء اندلاع الاعمال الاحتجاجية وتفاقم ازمة تلوث المياه.

ونحن نضع بين ايديكم عشرات الشهادات التي تم جمعها بحرص بالغ بهدف كشف الحقيقة عما يجري في البصرة، نحثكم على الاستجابة العاجلة للأوضاع التي تعاني منها المحافظة والتعامل معها على انها مدينة منكوبة، كما جاء في وصف تقرير المفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق وإحدى المناطق المحتملة لنشوب الصراع.

ان المواطنين في محافظة البصرة يواجهون صعوبات غير اعتيادية تسترعي الاستجابة العاجلة، بعد ان وصلوا الى اقصى درجات التحمل، ومن المؤكد ان ادامة الظروف والتحديات التي صعبت سبل العيش الامنة ستدفع بالأهالي نحو اللجوء الى العنف رفضا لسياسة التهميش والاقصاء التي مورست بحقهم على مدى الأعوام الماضية.

ونود الإشارة الى ان وصف الظروف المحيطة بمحافظة البصرة الان لا يختلف كثيرا عن تلك التحديات التي رافقت الأهالي في محافظات عراقية اخرى، سبق ان تعرض أهلها الى الاقصاء والتهميش من قبل السلطات، وقمع القوات الأمنية. الامر الذي اودى في النهاية الى انهيارها وتوغل الإرهاب فيها.

ان فريق بعثة الأمم المتحدة السامي في العراق وبموجب القرار رقم 1483 الصادر في عام 2003، والقرارات اللاحقة ذات الصلة بقرار مجلس الامن الخاص بتجديد بعثة الأمم المتحدة (يونامي) في العراق لغاية 13 أيار/ مايو 2019 يقع ضمن أولوياته توجيه نداء استغاثة الى الدول والمنظمات الدولية لمساعدة العراق في ظل الظروف الطارئة، ومطالبة الحكومة العراقية والجهات المسؤولة التي سيرد ذكرها في هذا التقرير للعمل وبما يتسق مع ميثاق الأمم المتحدة والقوانين ذات الصلة.

نرجو منكم، النظر في الانتهاكات التي ارتكبتها القوات الأمنية في ظل الاعمال الاحتجاجية التي انطلقت مؤخرا. واتخاذ إجراءات أكثر حزما بخصوص التلوث البيئي والوضع الصحي الذي تفاقم خلال الشهرين الماضيين في عدد من مدن محافظة البصرة، ومساعدة الجهد المدني القائم حاليا في تشكيل وارسال فرق متخصصة لإجراء الفحوصات المطلوبة. ونوضح لكم ضرورة تشكيل لجان تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة للاستماع والنظر بالشكاوى التي قدمها الأهالي بشأن انتهاكات أقدمت عليها قوات الامن تمثلت بإجراء اعتقالات قسرية، وارتكاب القتل المتعمد بحق عدد من المتظاهرين. ومساعدتنا في الضغط على الحكومة للتدخل وايقاف عمليات القتل والتصفية التي ترتكبها جماعات مسلحة غير معروفة، والاستجابة للتوصيات المتعلقة بالتحقيق بشأن الشركات النفطية التي خالفت شروط السلامة البيئية وتعويض المتضررين.

 

البصرة: مدينة منكوبة يتعرض اهلها للإبادة بسبب الأحزاب والفصائل المسلحة ونفوذ الدول الاقليمية

كان من الصعب الكتابة عن الوضع الإنساني في محافظة البصرة وخلال مدة وجيزة جمع خلالها فريق تقصي الحقائق مئات الشهادات والوثائق والقصص والحالات التي حدثت فيها انتهاكات خطيرة. لقد اتضح لأعضاء الفريق ان الازمة الإنسانية في البصرة مازالت مستمرة، وبدأت قبل اندلاع الاعمال الاحتجاجية، وأدى تراكمها بأن أصبحت الأجهزة الحكومية والمؤسسات الخدمية عاجزة عن حلها.

ادلى مواطنون وناشطون وقيادات مجتمعية بإفادات خطيرة، تعرض فيها أهالي البصرة الى القتل المتعمد، والتصفية، والتعذيب في السجون، لمجرد انهم هددوا المصالح الاقتصادية للأحزاب. استمع الفريق الى شهادات اهل الخبرة والاختصاص ومن هم أكثر دراية بالظروف المحيطة في المحافظة، فضلا عن زيارة بعض مدنها التي تقع تحت خطر التلوث البيئي سواء الناجم عن القاء الملوثات والمواد الكيميائية في مياه شط العرب، او بسبب الغازات المنبعثة بفعل استخراج النفط.

نترك بين يديكم هذا التقرير، ليمثل وجهة نظر حيادية تنقل صوت الأهالي في محافظة البصرة مزودة بالشهادات كما تم تسجيلها.

 

أولا: السياق الذي نشأت فيه ازمة البصرة

1 ـ  الخدمات والوظائف: لم تشهد مدينة البصرة ومنذ أعوام طويلة تنفيذ أي مشروع خدمي يحسن حياة المواطنين. ان إحصائية بسيطة للمشاريع الاستراتيجية التي تم تخطيطها وتخصيص ميزانيات لها خلال الأعوام الخمسة الماضية، لا سيما في المدن المنكوبة الان، المتأثرة باللسان الملحي، والقريبة من مصادر التلوث (شركات استخراج النفط والغاز)، سنكتشف ان نسبة انجازها صفر%. بضمنها تلك التي جاءت عن طريق منح وهبات خارجية، او تم تمويلها من قبل الشركات النفطية. اذ ينبغي لأي مشروع ينفذ في المحافظة ان يحال الى مجلسه، الذي بدوره يحيله الى شركات وطنية، هي في الغالب مسيطر عليها من قبل الأحزاب.

2  ـ   مدن كبيرة يتراوح سكانها من 150.000 الى 300.000 ألف نسمة، الخدمات فيها شبه معدمة وتعيش على مشفى واحد لا يسعه استيعاب كافة المراجعين رغم ارتفاع مخاطر التعرض للمياه الملوثة، والغازات المسرطنة. وبالكاد تتوافر الرعاية الصحية او الادوية في المستوصفات. المستشفى الياباني المفترض إنشاؤه في ناحية “الهوير” وهو منحة يابانية توقف العمل فيه منذ عام 2012 بعد ان أخفقت الشركة المحلية التي أحال مجلس المحافظة المشروع لها في تنفيذه. يقع في هذه المدينة اثنان من أكبر حقول النفط في العراق، ويأس سكانها الاستجابة لمطلبهم ببناء جسر يربط مدينتهم بباقي المدن. خصص مجلس المحافظة في نفس العام مبلغ قدره 10 مليون دولار (على الأكثر هي من عائدات المنافع الاجتماعية التي تدفعها شركات النفط) لبناء الجسر، وبعد احالته الى شركة وطنية تحول الى لافتة كبيرة مكتوب عليها اسم المشروع فقط.

3   ـ  ملف الوظائف لوحده كان من المطالب الأساسية لشباب البصرة التي اندلعت على أثرها الاحتجاجات خلال العامين الماضيين. لا يستطع أي شاب بصري الحصول على فرصة عمل من دون دفع رشاوى تتراوح بين 2000 الى 3000 دولار، او من دون التوسط لدى أحد الأحزاب النافذة. مكتب التشغيل في مبنى المحافظة مسيطر عليه من قبل الأحزاب، ولا يتم الإعلان عن الوظائف المتاحة وفرص العمل في القطاع الخاص بشفافية. يفاجئ شباب البصرة دائما بشغل الوظائف قبل الإعلان عنها، حيث يتم التعيين عن طريق وسطاء ينصحون الشباب بالذهاب الى الأحزاب التي لديها حصص في هذه الوظائف، وبعض الأحزاب تطلب ممن يفد اليها بحثا عن الوظيفة التوقيع على تعهد بدفع راتبه لمدة عام كامل للحزب او الوسيط مقابل فرصة العمل.

4  ـ  الوظائف في القطاع الحكومي شبه متوقفة منذ 3  أعوام، ووظائف القطاع الخاص لا يحصل شباب البصرة الفرصة العادلة للتنافس عليها حتى على مستوى “العقود الثانوية في مشاريع خدمية (تبليط شوارع مثلا)، التي غالبا ما تكون من نصيب أصحاب القوى والنفوذ. معظم المعامل الوطنية التي كانت تعمل في زمن النظام السابق (كمعملي الأسمدة في الزبير وابي الخصيب، معمل انتاج الثرمستون، البتروكيمياويات، والالبان فضلا عن ورش الحدادة والنجارة معطلة. كانت هذه المعامل تساهم في توفير الاف الوظائف سنويا للشباب، وحده معمل الحديد الصلب في البصرة نجح في العمل في ظل الظروف الطاردة للاستثمار ولكنه اغلق بعد ذلك لسبب مجهول وتم تسريح العمال. وبطريقة مذهلة انشئ معمل اهلي للحديد الصلب في الارض

 

5  ـ مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في المحافظة تم تجريفها، ويعتقد المواطنون ان هذا الامر متعمد وقد يكون مرتبطا بأجندات خارجية من اجل “جعل البصرة ارضا جرداء غير صالحة للعيش السكاني، او تحويل المحافظة الى مدينة صناعية معدومة من البشر. وتعتبر الزراعة احد مصادر العيش للمواطن البصري، ومع وصول امتداد اللسان الملحي القادم من الخليج العربي الى مركز المدينة، والمدن الأخرى شمال المحافظة، أصبحت مياه الشرب والسقي ملوثة، ففي مدينة الفاو تم ملاحظة هلاك المزروعات والحيوانات والاسماك والأراضي الزراعية والبساتين وبحيرات الاسماك.

كلما تم استقدام شركة نفطية، او اكتشاف حقل نفطي جديد تحولت احدى المدن الزراعية الى مدينة منكوبة، ففي قضاء “المدينة” اجبر الفلاحين على بيع أراضيهم لشركة “لوك اويل” الروسية التي وقع لها وزير النفط السابق “حسين الشهرستاني” ضمن عقود جولات التراخيص، ان هذا القضاء “ارض بور جرداء خالية من السكن يقطنها فلاحون يمكن شراء الدونم الزراعي منهم بمبلغ 960.000 الف دينار، وكانت الزراعة مصدر رزقهم الوحيد. وبعد نزاع قانوني استمر لأعوام، اجبر المزارعون على ترك أراضيهم وتم تجريفها قصرا، تحت التهديد بالاعتقال من قبل القوات الأمنية.

6  – الوضع المعيشي في البصرة متدني للغاية، وكثيرا ما يؤلم البصريين انهم أكثر محافظة قدمت متطوعين وشهداء في الحشد الشعبي حتى سميت بعض مناطقها الشعبية بمدن الشهداء. وهم يؤكدون ان شبابهم بحكم استعدادهم للتضحية كانوا مضطرين الى التطوع في الأحزاب والفصائل المسلحة تلبية لنداء المرجعية وليس للانتماء في الأحزاب والفصائل المسلحة. لكن عوائل شهداء الحشد الان يواجهون ظروفا معيشية صعبة، ولم يساعدهم احد.

7  ـ  ويدرك أهالي البصرة ان تشكيل الحشد الشعبي في المحافظة رافقه حدوث تغيرات في المدينة التي ارتفع فيها الزخم الديني أولا. ثم تحول هذا الزخم الى صراع غير معلن مع المنظمات غير الحكومية المدعومة من المجتمع الدولي التي تطالب بمزيد من الحريات والديمقراطية ثانيا. بعض فصائل الحشد أصبحت اجنحة مسلحة للأحزاب، واخذ نفوذها يتنامى على موارد البصرة في سياق تنافسها للوصول الى السلطة. ومارست كلا من القنصلية الامريكية والإيرانية دورا في دعم أحد طرفي الصراع. والحقيقة ان شهداء الحشد ليسوا جزء من هذا الصراع ولم يضحوا بحياتهم دفاعا عن الديمقراطية، او من اجل وصول أحزاب الحشد الى السلطة. لقد اهملنا “ايتام الحشد… أبناء من ضحوا بدمائهم من اجل العراق مقابل مبلغ 5.000.000 ملايين دينار تعطى لعائلة كل شهيد” وكان يمكن بمبالغ بسيطة انشاء منظمات توفر الرعاية والمساعدة الاجتماعية للأيتام والفئات الضعيفة والمهمشة.

8  ـ  يوضح الأهالي في العديد من مدن البصرة المنكوبة، ان الازمة في المحافظة بدأت منذ أكثر من 4 أعوام، وانهم خاطبوا بكتب رسمية جهات مسؤولة كثيرة بدءا بمجلس المحافظة والدوائر الخدمية، شركات النفط الأجنبية والوطنية، الحكومة المركزية ومجلس النواب العراقي دون استجابة فعلية. أحد قادة تظاهرات العاطلين عن العمل يقول “منذ عام 2015 انا ومجموعة من الشباب نطالب بحقنا في استحصال التعيين في الشركات النفطية، وهي ملزمة قانونيا بتوظف العمالة العراقية بنسبة 75%، وعقدنا اجتماعات مع مسؤولين لتقديم مطالبنا، كصباح البزوني (كان يشغل منصب النائب الأول)، وخلف عبد الصمد (المحافظ السابق)، ومازن المازني عضو لجنة النفط والطاقة النيابية، وعندما وصلت مطالبنا الى علي شداد الفارس رئيس لجنة النفط والغاز في مجلس المحافظة اخبرنا ان التعيينات من صلاحية شركة نفط الجنوب وليس مجلس المحافظة”. في شهر نيسان 2017 نظم هؤلاء الشباب تظاهرة امام شركة نفط الجنوب التي لم تستجب لمطالبهم. لتعقبها تظاهرات أخرى في 20 حزيران 2018  و5 تموز 2018. ومن اجل زيادة الضغط على المسؤولين نصبوا خيمة اعتصام تحت مجسر التربية في البصرة لغاية 15 تموز 2018، سرعان ما دعمها والتحق بها عدد من الشيوخ ورجال الدين، ولكن الاعتصام لم ينجح بسبب قطع خدمة الانترنت، وإطلاق رئيس الوزراء وعدا بتعيين 10000 (عشرة الاف) عاطل عن العمل، سجل على إثرها ما لا يقل عن 160.000 ألفا من شباب البصرة خلال أيام معدودة. عاد هؤلاء الشباب لاستئناف التظاهرات عبر إقامة اعتصام في ساحة الشهيد عبد الكريم قاسم.

9  ـ في ذلك الوقت، كانت شرارة التظاهرات قد انطلقت بالتزامن مع احتجاجات لجنة العاطلين عن العمل، في شمال البصرة (ناحية الهوير) للمطالبة بالوظائف، وسقط على إثرها المتظاهر سعد المنصوري بنيران القوات الأمنية. وحمَّلت اللجنة التحقيقية المتظاهر “سعد” سبب موته. فثارت جماهير البصرة وتصاعدت الاحتجاجات في اغلب مدنها.

10  ـ كان واضحا ان الجهات الحكومية تعيش حالة التخبط في ظل الازمة، وعملت اللجان والمؤسسات الحكومية بشكل فوضوي، تضاربت فيها الصلاحيات، والآراء والحلول. مرة تلقي باللوم على المتظاهرين، ومرة أخرى تماطل وتسوف المطلب، وتطلق وعودا لا تفي بها، او تواجه الجماهير بالكذب، وهو امر شجع المسؤولين على التنصل من مسؤولياتهم. واحدة من أكثر المشاهد التي المت واغضبت مواطنين البصرة هو تصريح وزيرة الصحة بوجود 1500 حالة إصابة بمرض الاسهال بسيطة، عند زيارتها للبصرة، في الوقت الذي كان عشرات الالاف منهم يرقدون في ردهات الطوارئ بسبب تناولهم المياه الملوثة. وتبين مختلف الشهادات التي تم جمعها، ان الإهمال الحكومي لمطالب المتظاهرين، وقمعها من قبل القوات الامنية، ثم تعمدها حجب المعلومات عنهم وتزييف الحقائق كانت عاملا رئيسيا في اثارة الرأي العام في البصرة، ونقل شرارة الاحتجاج الى كل مدنها.

ثانيا: تفاقم الازمة في محافظة البصرة

11  ـ تفاقمت الازمة في البصرة نتيجة تراكم الازمات السابقة وضعف استجابة الجهات المسؤولة لأعوام من المناشدات والمطالب. عوضا عن الاستماع للجمهور وتفهم مطالبه، واجهت الحكومة المتظاهرين بإرسال قوات امنية استخدمت العنف المفرط، واقدمت على فض خيمة اعتصام المتظاهرين التي نظمتها لجنة العاطلين عن العمل في ساحة عبد الكريم قاسم (مركز مدينة البصرة)، وقرب شركة “لوك اويل” في ناحية “الهويرة” شمال المحافظة بالقوة. وشهدت الفترة من الأول من تموز لعاية 31 اب سقوط 5 شهداء، و168 جريح، واعتقال 263 متظاهر، واصابة ما لا يقل عن 50000 خمسين الف مواطن بالتسمم.

 12  ـ تنصل المحافظ ومجلس المحافظة من مسؤولياتهم وألقوا باللوم على الحكومة المركزية، بينما أرسلت الحكومة لجانا وكوادر مختلفة لتزيد من تضارب الصلاحيات مع الحكومة المحلية سوءا، وشهدت المؤسسات الخدمية في البصرة تقصيرا كبيرا في أداء مهامها، ووقفت عاجزة، او في الوضع الطبيعي عند تفاقم الازمة. كان بالإمكان إطفاء 50% من ازمة البصرة لو كان هناك مسؤولين صادقين امام جماهيرهم، ويصغون الى مطالبهم. وهم مدركين ان مشاكل المحافظة ليس من السهل حلها. وعندما بدأ وفدنا بعقد الاجتماعات مع اعيان المحافظة، لم يطلبوا منا إيجاد حلول لمشكلة التلوث، او بناء محطات تعقيم للمياه بقدر مطالبتنا ان نستمع لهم، وان نكون على قدر المسؤولية في نقل رسالتهم، واتخاذ موقف جدي إزاء ما يحدث معهم. تجاهل الحكومة لفهم ما يحدث في البصرة من منظور المواطنين، لم يبقي لدى المحتجين سوى خيار اللجوء الى العنف، والتهديد بإيقاف تصدير النفط ومحاصرة المباني الحكومية ومنازل المسؤولين وحرق مقرات الأحزاب بهدف إيصال رسالتهم، وارغام السياسيين على الاستماع لمطالبهم.

 

ثالثا: الوضع الصحي والبيئي في البصرة يهدد بكارثة انسانية

13  ـ  تعتبر البصرة واحدة من أكثر المحافظات التي تسجل حالات الإصابة بأمراض السرطان لا سيما في المناطق القريبة من مصادر التلوث (شركات استخراج النفط والغاز). ترفض المؤسسات المعنية بالصحة الإفصاح عن الأرقام الحقيقية، غير ان خبراء ومختصين اوضحوا “ان بعض مراحل استخراج النفط، لا سيما احراق الغاز المصاحب للاستخراج وطمر النفايات، قد تنطوي على انبعاث غازات مسرطنة (مثل H2S)”. بحسب ما نقل لنا مواطنون يسكنون في المناطق المعرضة للغازات المسرطنة، فان نسب الإصابة بالتشوهات الخلقية وامراض سرطان الثدي، والرئة، وامراض الربو والحساسية ارتفعت في مدنهم بعد عام 2003 بنسبة 30%. والغريب في الامر، هو قيام مجلس محافظة البصرة بتسريب معلومات عن هذا الامر للإعلام بين فترة وأخرى.  في عام 2015 ذكر مسؤول حكومي في البصرة ان المحافظة تسجل شهريا 50 إصابة بمرض السرطان بفعل الهواء الملوث من استخراج النفط. لجنة الصحة والبيئة في المحافظة أيضا كشفت في اذار 2018 عن تسجيل 4 إصابات يوميا بمرض السرطان نتيجة تلوث الهواء.

14  ـ في عام 2009، عندما اقر مجلس النواب قانون حماية وتحسين البيئة رقم (27)، تم الزام الشركات النفطية باستخدام افضل الوسائل لمنع أي تلوث محتمل يمكن حصوله في الهواء، او التربة، او المياه عبر نصب أجهزة قياس ومراقبة للملوثات، وتقديم تقرير لتقدير الأثر البيئي قبل بدء بالمشاريع ذات الصلة. كما الزمت المادة (7) من الفصل الثالث في القانون مجالس المحافظات بتشكيل مجالس حماية وتحسين البيئة يترأسها المحافظ مع صلاحيات باستضافة أي مختص او ممثل عن القطاع العام والخاص والمختلط والتعاوني فيما يتعلق بالأمور البيئية.  والسؤال الذي يتبادر في اذهاننا، لماذا يسرب أعضاء مجلس المحافظة معلومات بهذه الخطورة الى الاعلام، عوضا عن اتخاذ إجراءات بصددها؟ تم انشاء قسم متخصص بالبيئة في

وزارة النفط يضطلع بمهام متابعة ومراقبة ملوثات الهواء والتربة، وعند تصفحنا الموقع الالكتروني للقسم، لم نجد مؤشرات او بحوث لاختبارات تم اجراؤها، او ذكر لأي تلوث حدث بفعل الاستخراجات النفطية، باستثناء تقارير أرسلتها بعض شركات النفط الوطنية تتحدث عن إجراءات السلامة المهنية لموظفيها. الموقع صفحاته شبه فارغة، ولم يذكر فيه وسائل الاتصال المباشرة، ويبدو ان معلوماته لم تحدث منذ ما يقارب (5) اعوام.

15  ـ حصل فريق تقصي الحقائق على معلومات لا نستطيع الإفصاح عن مصدرها، تتهم الشركات النفطية بالتخلص من مواد ملوثة بطرق غير سليمة. تؤكد هذه المعلومات أيضا، ان عملية استخراج النفط في البصرة، ينتج في بعض مراحلها انبعاث غازات ملوثة للهواء، تؤدي الى الإصابة بأمراض السرطان، والربو والحساسية، التشوهات الخلقية بالضبط كما افاد المواطنون الذين يسكنون في المناطق القريبة من الحقول النفطية. بحسب ما شرح لنا مهندس مختص في قسم البيئة التابع الى وزارة النفط، وجهنا له عدد من الأسئلة تتعلق بتلوث الهواء والتربة بفعل الاستخراجات النفطية، وعلاقتها بأمراض السرطان المنتشرة في بعض مدن البصرة، ان التلوث يعتمد على كفاءة وتصميم محطة المعالجة المركزية التي يذهب اليها النفط بعد استخراجه، والتي يجري فيها عملية عزل الغازات المصاحبة. “وعند استخراج النفط للمرة الأولى من الابار يتم فحص النفط وحرقه مما يسبب تلوثا في المناطق القريبة، كما كان يحدث في حقل الاحدب”، لكن تم معالجة هذا الامر لاحقا عبر استخدام مرشحات ماء، وهواء اوكسجين، لإجراء الحرق الكامل. واكد المختص ان وزارة النفط لم تؤشر وجود أي حالة للإصابة بأمراض السرطان او الحساسية في محافظة البصرة بفعل التلوث الناتج عن استخراج النفط باستثناء شكاوى وردت من قبل مصفى الشعبية وحقل الزبير تم تشكيل لجنة متخصصة بشأنها، وضغط “المجتمعات المحلية” على حد تعبيره، بهدف الحصول على التعيين او للاستفادة المادية.

16  ـ ويجدر الإشارة الى ان تحقيقات استقصائية نشرت في الصحف الأجنبية قبل عام ونصف أفادت بتورط مسؤولين عراقيين كبار في تقاضي رشاوى من الشركات النفطية، قد تنطوي على تقديم تسهيلات، او التكتم عن خروقات في توقيع عقود جولات التراخيص. من الأمثلة التي نذكرها في هذا الصدد، تجاوز الشركات النفطية في شمال البصرة على الحصة المائية للمحافظة لاستخدامها في حقن ابار النفط وهو أحد الأسباب التي يجري التكتم عنها فيما يتعلق بانخفاض مستوى مياه نهر شط العرب. مواطنون في قضاء “المدينة” جمعوا معلومات عن قيام شركة “لوك اويل” الروسية، بسحب المياه من نهر دجلة عبر مضخات تصل سعتها الى 3500 متر مكعب بالساعة. بينما ينص العقد الموقع بين الشركة ووزارة النفط بسحب المياه من الخليج العربي، غير انها اعتمدت هذا الخيار لتقليل التكلفة.

17  ـ اهل البصرة بأمس الحاجة الى الجهد الدولي في هذه النقطة بالذات للمساعدة بتشكيل لجان متخصصة تكشف وتتابع قضية التلوث في الهواء والتربة المعرضين لأمراض السرطان، والضغط على الحكومة لإعادة تقييم مدى التزام شركات استخراج النفط بالقوانين النافذة والحفاظ على البيئة. هناك نقطة بالغة بالأهمية ايضا، تتعلق بعوائد المنافع الاجتماعية التي تدفعها الشركات النفطية لتعويض المناطق الاكثر تضررا من انتاج وتكرير النفط الخام. وفقا لتقرير مبادرة الشفافية للصناعات الاستخراجية في العراق، ان ما يزيد عن 225.000.000 مليون دولار من مبالغ البترودولار تم تخصيصها لمحافظة البصرة في قانون الموازنة لسنة 2015، 50% منها احيلت

لمشاريع الطاقة والبيئة في المناطق الاكثر تضررا من انتاج وتكرير النفط. ومن حق المواطنين في هذه المدن المنكوبة ان يعرفوا كيف تم صرف هذه الأموال، على اعتبار ان واقعها الخدمي والبيئي في أسوأ حالاته.

حالات التسمم وتلوث المياه

18  ـ بحسب اخر تحديث لبياناتنا، سجلت البصرة حتى لحظة كتابة هذه التقرير ما يقارب 90000 حالة تسمم، وهذا الرقم لا يصف ازمة تلوث المياه في المحافظة كما شهدناه. ليس هناك عائلة في المدن المطلة على شط العرب لم يتعرض فرد فيها على الأقل للتسمم. ثلاثة من أعضاء وفد التقصي خلال مدة تواجدهم في البصرة تعرضوا الى التسمم رغم الاحترازات التي اتبعوها. تقديرنا الاولي، بحسب ما نقل لنا العاملون في ردهات الطوارئ، ان المستشفيات تستقبل يوميا 500 حالة تسمم على اقل تقدير. ولا يتم توثيق اعداد المصابين اليومية كما تنص التعليمات عبر فتح بطاقة خاصة للمريض. كما لا يتم اجراء تحاليل تسلم للمرضى، فمعظم المراجعين بسبب حالات التسمم يكتب لهم الأطباء اصابتهم بمرض الاسهال، او المغص المعوي، ثم يصرف لهم العلاج مباشرة، مبررين ان سبب الاسهال بكتريا غير معروفة، او لم يتم تشخيصها حتى الان. أحد أعضاء وفد التقصي الذي أصيب بالتسمم قام بعمل تحليل في مختبر متخصص في بغداد بعد أربعة أيام من اصابته واظهرت نتيجة التحليل تعرضه الى بكتريا حية من النوع الذي يسبب التسمم.

19  ـ هناك تلوث شديد يتعرض له نهر شط العرب ليس بفعل المد الملحي القادم من الخليج فحسب، وانما يعتقد المختصون بوجود مواد كيميائية سامة (يشتبه بانها املاح الكبريتات) سببها رمي المخلفات الصناعية ومياه المجري في النهر. “هذه المادة تجعل طعم الماء مرا وكانت السبب في هلاك المزروعات وهجرة الطيور والحيوانات وإعادة انتشار أنواع نادرة من السمك شمالا. الاستجابة الحكومية المتحققة حتى الان بشأن تلوث مياه الشرب هو تزويد المياه المعقمة لمدة تترواح بين 2 الى 4 ساعات في عموم مدن البصرة، بينما تتدفق المياه الملوثة في بقية الأوقات. وعند سؤال الأهالي عن كيفية معرفة متى يتم تجهيز منازلهم بالمياه المعقمة اجابوا “عن طريق تذوق الماء” ولعل هذا ما يفسر استمرار حالات التسمم حتى الان.

20  ـ المعلومات التي جمعناها تشير الى احتمال حدوث تلوث كيميائي في نهر شط العرب الذي يعتبر المورد الرئيسي لمحطات تصفية مياه الشرب التي تجهز للمنازل لعدة اسباب. أولا؛ معظم المواطنين في البصرة يؤكدون ان المخلفات الصناعية والنفايات تلقى في نهر شط العرب، اما بشكل مباشر، او عن طريق قنوات تصريف مياه المجاري، او عبر مبازل تنبع من إيران. وهم متأكدون من وجود قناة موازية لنهر الكارون الذي ينبع من إيران تلقى فيه المصانع مخلفاتها ويصب في شط العرب. وفد من المفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق، خلال زيارته منطقة شط العرب (الجانب المحاذي لإيران) رصد تجاوزات من قبل الدول المتشاطئة في التخلص من نفايات كيميائية ونفطية تلقيها المعامل الإيرانية (للبتروكيمياويات وشركات النفط) ويتم دفعها في شط العرب. مؤكدة في الوقت ذاته، تحويل مجرى نهر الكارون عن مصبه الرئيسي مما أدى الى اضرار خطيرة على الافراد وهلاك المزروعات ونفوق الحيوانات”.

21  ـ ثانيا؛ سرب لنا أيضا مصدر موثوق، وهو عضو في احدى اللجان العاملة على مشكلة تلوث المياه في البصرة، ان ما نسبته 30% من مياه مجاري البصرة يتم تصريفها في 7 أنهر فرعية تصب في شط العرب. وهذه الأنهر القديمة كالعشار، والخندق، والتركي، والخورة وغيرها تجاوزت عليها دائرة المجاري عبر ربط المياه الثقيلة والاسنة لمجاري التصريف الصحية بهذه الأنهر التي تصب في شط العرب. ثالثا؛ المصدر ذاته، أكد لنا ان معظم محطات المعالجة الداخلية الخاصة بتصريف مجاري المياه في مستشفيات البصرة معطلة، ما يؤدي الى تصريف الميكروبات والجراثيم التي تمر في مياه مجاري المستشفيات في نهر شط العرب. وبسبب انخفاض منسوب المياه في النهر، فان اللسان الملحي يدفعها شمالا عوضا عن تصريفها في البحر، بالقرب من محطات تعقيم مياه الشرب. الدراسات التي اجراها فريق حكومي متخصص تقدر معدل تصريف مياه الصرف الصحي في شط العرب بنحو 3.3 متر مكعب بالثانية.

22  ـ بحسب وثيقة حصلنا عليها صادرة من دائرة صحة البصرة بتاريخ 23 اب 2018 موجهة الى المحافظ، فان نتائج فحص نسب الكلور في مشاريع ومجمعات الماء في البصرة، بلغت صفر ppm في 60 مركزا من اصل 170. في الوقت الذي يفترض ان يكون تركيز الكلور في المياه لا يزيد عن 0.5ppm. لا نعرف الظروف المحيطة بعدم تعقيم المياه بالكلور في هذه المحطات، ولكن الوثيقة تؤكد المعلومات التي حصلنا عليها من بعض المختصين، بان محطات التحلية لا يتم تعقيم احواضها بصورة صحيحة، وثمة مشاكل واخطاء جسيمة في بعض مراحل تعقيم المياه في المحطات لا يتم الإفصاح عنها.

 

رابعا: الاعمال الاحتجاجية وانتهاكات حقوق الانسان

23  ـ  استنادا الى بيانات مفوضية حقوق الانسان، فان الفترة ما بين الأول من تموز لغاية السابع من أيلول، شهدت اعتقال 425 شخصا على خلفية مشاركتهم في الاعمال الاحتجاجية. وسقوط 20 قتيلا و 492 جريحا،  80 منهم منتسبين وضباط في القوات الامنية اصيبوا بجروح طفيفة. معظم القتلى والجرحى من الطرفين سقطوا نتيجة مواجهات مباشرة بين افراد الامن والمحتجين. وفي معظم الحالات لجأت قوات الامن الى استخدام القوة والعنف المفرط لتفريق التظاهرات. في بعض هذه الحالات شرعت القوات الأمنية تفريق المتظاهرين او فض اعتصامهم بالقوة (الاعتداء بالضرب، رمي قنابل الغاز المسيلة للدموع، اعتقال المتظاهرين، او إطلاق الرصاص الحي في الهواء او مباشرة باتجاه المواطنين) رغم التزام المحتجين بالمظاهر السلمية للتعبير عن آرائهم.

أ – استخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين وارتكاب جرائم القتل العمد

24   ـ بحث فريق التقصي خلال فترة تواجده في البصرة عن حالات يشتبه ارتكاب القوات الامنية القتل العمد فيها، عبر قيامها بفتح النار بشكل مباشر على جمهور المتظاهرين مما أسفر عن سقوط شهداء بين صفوف المحتجين. في حادثة تشييع جثمان الشهيد مكي ياسر الكعبي اكدت الشهادات التي تم جمعها من قادة التظاهرات الذين كانوا متواجدين في الحادثة ان القوات الأمنية أطلقت النار باتجاه الجنازة التي حملها متظاهرون بشكل مباشر اثناء مسيرهم باتجاه مجلس المحافظة ردا على محاولات بعض المتظاهرين الهجوم على المبنى مما أسفر عن سقوط 3 جرحى. لم نسجل مقتل أي متظاهر في هذه الحادثة.

25  ـ سجل أيضا فريق التقصي حادثتين منفصلتين وقعت الأولى في مدينة كرمة علي عندما قام متظاهرون غاضبون بقطع الشارع الرئيسي المؤدي الى مركز المدينة واحراق الإطارات في 3 أيلول 2018. طلبت قوات الجيش من المتظاهرين فتح الطريق وعندما رفضوا اعطى الضابط المسؤول امرا بفتح النار على المتظاهرين (الاطلاقات فوق الرؤوس) رغم انهم لم يقدموا على أي محاولة للاحتكاك بهم. تفرق المتظاهرون بعد تعرضهم للإطلاقات وتعرض من بقي منهم الى الضرب بالعصي، فقام عدد من شباب أهالي المنطقة بعد نصف ساعة بحمل الأسلحة وإطلاق النار على القوات التي تمركزت في مكان القطع. ويشتكي المتظاهرين من المقدم قصي المسؤول عن قوات الجيش في تلك المنطقة، الذي سجلت بحقه حوادث سابقة بفتح النار على المتظاهرين، واستخدام العنف في قمعهم. لم نوثق سقوط أي شهيد من الطرفين في تلك الحادثة.

26  ـ في حادثة مقتل الشهيد حارث السلمي، يثبت فريق التقصي بموجب الشهادات التي حصل عليها، هجوم القوات الأمنية على خيمة المعتصمين التي أقيمت على مقربة من شركة لوك اويل النفطية في قضاء “المدينة” بتاريخ 14 اب 2018 ومقتل المتظاهر حارث السلمي نتيجة استخدام العنف المفرط من قبل قوات مكافحة الشغب وعدم نجدة المتوفي بعد ان تلقى ضربة شديدة على رأسه تسببت بتهشم جمجمته من قبل أحد افراد الامن. الشهيد حارث تركته القوات الأمنية ملقى على الأرض يصارع الموت، بعد ذلك وضعته في سيارة مع مجموعة من المعتقلين ورفضت نقله الى المشفى رغم ان المعتقلين في السيارة مع حارث توسلوا بالقوات الأمنية لنجدته بعد ان ساءت حالته أكثر وبدأ بالتقيؤ، بينما رد افراد الشرطة بالسب والشتم على المعتقلين

وعندما قامت القوة الضاربة بنقله بسيارة اسعاف رفضت مستشفى القرنة استلامه لعدم معرفة سبب الوفاة حيث أبلغت الشرطة إدارة المشفى انهم وجدوه ملقى على الأرض. شهادة الوفاة اثبتت ان الشهيد فارق الاجل نتيجة تعرضه لضربة أدت الى تهشم جمجمته.

ب – حالات خطف وقتل قامت بها جهات مسلحة مجهولة:

27   ـ خلال الاعمال الاحتجاجية، تم توثيق عدد من الحالات التي تعرض فيها متظاهرون الى الخطف من قبل جهات مسلحة مجهولة أقدمت على اغتيالهم. الشهيد علي عباس متظاهر من سكنة مركز المدينة تم تعذيبه واغتياله من قبل جهة مجهولة. اخر مرة شوهد فيها علي يوم 7 أيلول 2018 في تمام الساعة 11:00 ليلا مع مجموعة من المتظاهرين ولم يعد في ليلتها الى المنزل. وجد علي مرميا على جرف شط العرب ونقل الى المشفى، وتظهر على جسده بقع زرقاء تدل على تعرضه للتعذيب (يداه وقدماه)، فضلا عن كسور في يديه.

جـ – الاعتقال والتعذيب وإساءة المعاملة

28  ـ خلال اندلاع الاعمال الاحتجاجية والتي استمرت أكثر من شهرين مارست (9) جهات تابعة للقوات الأمنية اعتقال واحتجاز المتظاهرين. صاحبت عمليات الاعتقال العديد من الخروقات القانونية، وارتكب منتسبين في القوات الأمنية انتهاكات بحق متظاهرين تم اعتقالهم والتحقيق معهم بطرق مخالفة للقانون.

29  ـ المتظاهر مهدي صلاح من مركز محافظة البصرة تم اعتقاله بتاريخ 15 تموز 2018 على خلفية مشاركته في الاعمال الاحتجاجية. مهدي افاد في شهادته ان الشخص المسؤول عن التحقيق معه قام بمعاملته على أساس التمييز الطائفي عبر سؤاله عن عقيدته (سني ام شيعي؟ اذكر لي الائمة المعصومين؟ ما هو اسم والدة الامام المهدي؟). مهدي تعرض الى الضرب بالهراوات والانابيب المعدنية من قبل افراد الامن، واجبر على النوم في الحمامات المملؤة بالمياه الاسنة، وتم تعليقه على الجدار وشد يديه ورجليه بطريقة تسمى العقربة.

30  ـ غسان سعيد عبد الحسين، متظاهر من قضاء “المدينة” توجه الى مركز شرطة الهوير بتاريخ 8 اب 2018 بعد ان عرف بوجود شكوى مقامة ضده. وجهت لغسان تهمة الانضمام الى جماعة اليماني وتفجير برج كهرباء، وسرقة سلاح ناري، كما تم اتهامه بالاتجار بالمخدرات. تم وضع غسان في الحبس الانفرادي، وتعذيبه ومطالبته بالاعتراف بانتمائه لجماعة اليماني، حيث تم ربط المتظاهر على بكرة معلقة بالسقف، وعندما أغمي عليه انهالوا عليه بالضرب ورش الماء على وجهه. ولم يتحسن وضع غسان في المعتقل الا بعد توسط احد اقاربه وهو ضابط برتبة رائد في احد الأجهزة الأمنية.

31   ـ معظم الادلة التي جمعها فريق التقصي عبر المقابلات مع المتظاهرين الذين تم اعتقالهم، والمعلومات المدونة في استمارة رصد الانتهاكات التي اعدت من قبل محامين متخصصين في الفريق، توضح ان جهات امنية متعددة قامت بتنفيذ حملات اعتقال واسعة للفترة من الأول من تموز ولغاية التاسع من أيلول 2018 بناء على قوائم أسماء تم مراقبتها واعتقالها من دون اصدار مذكرات قضائية. عدد كبير من المعتقلين تعرضوا للتعذيب اثناء التحقيق، ووجهت لهم تهم ملفقة، وأطلق سراحهم من دون عرضهم على القاضي. بينما تم عرض بعضهم على قاضي التحقيق بعد 3 أيام وفي حالات أخرى بعد خمسة أيام، وأطلق سراحهم بكفالة وتعهد بعدم التظاهر مرة اخرى.

32  ـ بعض المعتقلين أفادوا ان الاعتقالات كانت تتم بشكل عشوائي وجماعي. أحد المتظاهرين قال ضمن شهادته، انه كان يستقل سيارته مع عدد من أصدقائه عندما فتحت قوات سوات النار عليهم واصابتهم مما اجبرهم على التوقف. القوات اعتدت على المتظاهر بالضرب بأخمص السلاح على راسه وتم اقتياده الى قيادة عمليات البصرة في 7 تموز 2018 مع زملائه حيث تمت الإساءة لهم وضربهم مما ترك اثارا على اجسادهم. في العديد من الحالات تم حجز المعتقلين ووضعهم في أماكن لا تصلح للاحتجاز البشري (اقفاص حديدية او حمامات) وفي معظم المقابلات التي اجراها فريق التقصي وجه الجمهور البصري التهم الى قائد عمليات البصرة اثناء الاحتجاجات “جميل الشمري”، الذي حملوه مسؤولية الشهداء الذين سقطوا، وطالبوا بمحاكمته.

د – لجوء المتظاهرين الى العنف، وحرق المقرات

33  ـ رافقت الاعمال الاحتجاجية اقدام متظاهرين غاضبين محاولة اقتحام مباني حكومية ومقرات أحزاب في ظل ظروف غامضة، لا سيما بعد غياب القوات الأمنية من شوارع البصرة في ذروة الاحتجاجات. شهد يوم السادس من أيلول 2018، حادثة احتراق مبنى مجلس المحافظة في ظروف غامضة، وانسحاب القوات الأمنية من الشوارع بشكل مفاجئ مما ولد فراغا امنيا. لم تسعفنا المعلومات التي جمعناها اثناء تواجد فريقنا في البصرة معرفة مبررات الانسحاب او كيف جرى، لكن في اليوم الذي شهد انسحاب القوات الأمنية، كان هناك عشرات الاف من المتظاهرين الغاضبين يجوبون شوارع مركز المدينة، وبعد احتراق مبنى مجلس المحافظة توجهت اعداد غفيرة من هذه الحشود الى مقرات تابعة للأحزاب وفصائل الحشد الشعبي واضرمت النار فيها. بحسب الاحصائيات، هناك (14) مقرا حزبيا بضمنها مقرات لفصائل الحشد الشعبي تم احراقها خلال الاضطرابات التي شهدتها محافظة البصرة، فضلا عن احتراق مقر القنصلية الإيرانية في اليوم التالي.

34 ـ ما تأكد لنا من الشهادات فيما يخص الخروقات التي أقدم عليها بعض المتظاهرين، طبقا للمعلومات التي بحوزتنا يمكننا تأكيد الآتي: أولا؛ في حالات خاصة وبناء على استفزاز القوات الأمنية، لجأ بعض المتظاهرين، لا سيما في المناطق ذات الطابع العشائري، الى استخدام أسلحة وإطلاق النار باتجاه القوات الأمنية. لكن لم يتأكد لنا سقوط قتلى من جانب القوات الأمنية، باستثناء الجرحى. ثانيا: استخدام أحد المتظاهرين (لم يتم التعرف عليه) لقنبلة يدوية القيت اثناء اقدام الجماهير اقتحام مبنى المحافظة في الخامس من أيلول 2018. في هذه الحادثة وحوادث اخرى تم استخدام المولوتوف (الزجاجات الحارقة) بشكل شائع بين المتظاهرين، وهناك من اعترف باستخدامها والقائها على الجدران الكونكريتية المحيطة بمبنى المحافظة وخلفها.  أعلن عدد من قيادات التظاهر أيضا عن نيتهم بمحاولة اقتحام مبنى المحافظة، ومحاولة اسقاط الحواجز الكونكريتية عبر استخدام سيارة وسلاسل ولكن المحاولة لم تنجح باستثناء اقدام المتظاهرين على اقتحام المنطقة المحيطة ببناية المحافظة خلال جزء من السياج تم اسقاطه. رمى المتظاهرين بعض قناني المولوتوف على أبراج الحراسة وحديقة البناية، لكنهم جميعا أكدوا عدم اقدامهم على اقتحام المبنى.

35  ـ ثالثا: لم نجد ادلة تربط عملية حرق مبنى المحافظة بالمتظاهرين، وأكثر الشهادات التي تم جمعها لم تجزم ان الطابق الرابع (قسم العقود ـ القانونية ـ الإدارية) احرقه المتظاهرون. اما مبنى مجلس المحافظة فقد احترق في اليوم التالي، ولما يزل المتظاهرون على مسافة بعيدة منه، أي قبل وصولهم الى المبنى. حيث “كان موعد التجمع الساعة الخامسة عصرا امام مجلس المحافظة بينما احترق المبنى عند الساعة الثالثة بعد الظهر، وكان المتظاهرون على مسافة بعيدة منه”.

36  ـ رابعا: نؤكد أيضا انخراط متظاهرين عفويين في عملية احراق مقار الأحزاب وفصائل الحشد الشعبي ومقر القنصلية الإيرانية. وكان الالاف من المتظاهرين يملأون شوارع مركز المدينة بعد انسحاب القوات الامنية منها، وجاءت عملية احراق هذه المؤسسات كجزء من رد الفعل على سياسات القمع والتهميش والاقصاء التي مارستها الأجهزة الحكومية اثناء اندلاع الاحتجاجات. ولم يسجل فريق التقصي سوى حالة واحدة لانخراط جماعة منظمة تهدف الى التخريب، او تعمدت ذلك، عبر توجيه المتظاهرين العفويين نحو مقار الأحزاب، وفصائل الحشد الشعبي، ومقر القنصلية الإيرانية. وقد تكون هذه الجماعة أقدمت على محاولة الاتصال بدولة إقليمية لكن لا دليل بوجود استجابة لهذه الدولة، ودعت الى استخدام السلاح لإسقاط النظام.

37  ـ نؤكد هنا أيضا اننا لم نلتمس أي دليل لوجود علاقة بين هذه الجماعة والقنصلية الامريكية في البصرة، او انها على اتصال بالولايات المتحدة الامريكية. وليس هناك شيء بحوزتنا لا تعرفه الجهات الأمنية التي أطلعتنا على ادلة تشير الى الاشتباه بتورطهم، وكانت مطابقة للشهادات التي تم تسجيلها من شهود عيان. لذا سنترك للجهات الأمنية اعلان ما بحوزتها من ادلة في الوقت المناسب. عدد من المتورطين بهذه الجماعة هم الان معتقلون بشكل قانوني واصولي لدى قوات الامن، وتم الافراج عن جميع المعتقلين الاخرين (البالغ عددهم 13) الذين ثبت عدم تورطهم معها. ومازال التحقيق جاريا بهذا الصدد، وتحت متابعة مكتب مفوضية حقوق الانسان في البصرة.

 

خامسا: حرية التعبير عن الرأي وتهديد الناشطين

أ ـ  التضييق على العمل الصحفي والإعلامي اثناء الاحتجاجات

38  ـ خلال فترة اندلاع الاحتجاجات في البصرة حاولت القوات الأمنية تضييق حرية العمل الصحفي، ومنعهم من تغطية التظاهرات. بحسب شهادات عديدة جمعها فريق التقصي، اعتبرت القوات الأمنية عددا من وسائل الاعلام انها عميلة وتحرض على التظاهر. تعرض الصحفيين للدفع والسب والشتم والاهانة مرات عديدة من قبل افراد في الامن، وكانوا مضطرين للوقوف مع المتظاهرين او الاختفاء وسط المتظاهرين لتغطية الاحداث، وليس في مكان تواجدهم الطبيعي بجانب القوات الأمنية التي يفترض بها حماية الصحفيين والإعلاميين.

39  ـ معظم الاعتداءات على الصحفيين حصلت بالقرب وداخل مبنى ديوان المحافظة، وبعض الصحفيين افادوا في شهاداتهم انهم تعرضوا للضرب عدة مرات، ففي احدى الحالات تجمع الجنود حول احد الصحفيين واشبعوه ضربا خلال تفريق احدى التظاهرات. القوات الأمنية اعتدت بالضرب، وكسرت معدات مصورين وصحفيين، وإطلاق القنابل المسيلة للدموع بشكل مباشر على حاملي الكاميرات ومن يعتقدون انه صحفيا، لإبعاده عن ساحات الاحتجاج.

40   ـ سجل فريق التقصي في الافادات التي جمعها، تعرض عدد من الصحفيين للاحتجاز من قبل القوات الأمنية لفترات تتراوح ما بين 2 الى 5 ساعات. ليتم إطلاق سراحهم بعد انتهاء الاحتجاجات. بعض المراسلين والمصورين أرسلت لهم رسائل تهديد ووعيد لمنعهم من التواجد بساحات الاحتجاج لاسيما قبل اقتحام مبنى المحافظة. كما تعرض بعضهم للترهيب واعلامهم بوجود مذكرات القاء قبض بحقهم على خلفية تغطيتهم للتظاهرات وحرق مقرات الأحزاب، وهذا ما دفع البعض منهم الى مغادرة المحافظة بشكل مؤقت.

41-  لم تكن القوات الأمنية تفرق بين متظاهر وصحفي اثناء عمليات تفريق المتظاهرين، معظم الصحفيين والإعلاميين الذين غطوا الاحتجاجات تم اعتبارهم من قبل القوات الأمنية عملاء ويعملون على تأجيج الوضع. في حالات عديدة كان افراد الامن يطاردون المراسلين في الازقة، وشعر البعض منهم انهم مستهدفين بشكل شخصي. كما اقدمت القوات الامنية على الاعتداء بقسوة ضد مصور وكالة ap وأشبعوه ضربا لأنه كان يوثق لحظة إطلاق القوات الامنية الغاز المسيل للدموع.

42  ـ طالت موجة الحرق 4 مكاتب لمؤسسات اعلامية هي فضائيات العراقية والغدير والنخيل والفرات، وبعد التقصي تبين ان جميع هذه المكاتب تقع ضمن مباني مقار الاحزاب السياسية التي استهدفها الحرق، ما يؤكد ان المتظاهرين كانوا قصدوا الاحزاب السياسية وليس الفضائيات، لا سيما وان الاحتجاجات لم تسجل اي اعتداء من قبل متظاهرين على صحفيين، وان جميع الاعتداءات التي طالت الصحفيين كانت من قبل القوات الامنية.

 

ب  ـ  الاعلام المضاد: تشويه سمعة الناشطين وتهديدهم بالقتل والتصفية:

43   ـ أصدرت مديرية الحشد الشعبي بيانا في الثامن من أيلول 2018 وضحت فيه تضامنها مع مطالب جماهير البصرة المتعلقة بتردي الخدمات والفساد. لكنها اعتبرت حادثة احراق مقرات الحشد جاء بتوجيه (خارجي) من الولايات المتحدة الامريكية ونفذته (ايادي عراقية) تابعة لها، من المندسين الذين حاولوا حرف مسار التظاهرات نحو حرق مقرات الحشد الشعبي، والاعتداء على الجرحى المتواجدين في مركز العلاج الطبيعي في البصرة.  وكالات إنباء إيرانية ابرزها وكالة مهر الرسمية تناقلت اخبار بشأن فضح دور القنصلية الأمريكية في تحريك جماهير البصرة عبر استقطابها لعدد من ناشطين مواقع التواصل الاجتماعي (كهشام احمد، وريهام يعقوب، وعلي نجم) وتشكيل شبكة لتنفيذ مخططات تخدم المصالح الامريكية في المحافظة. بدأت بالتزامن معها حملة

إعلامية واسعة، تتهم ناشطين شباب في البصرة بالعمالة، والمساهمة في تنفيذ مخطط خارجي يهدف الى التخريب وحرق مقرات الحشد الشعبي. بعض هذه الاتهامات ترتقي الى مستوى التحريض بالقتل.

44  ـ صحفيين استقصائيين في فريق التقصي، استطاعوا من خلال المعلومات والشهادات التي جمعوها توضيح النقاط التالية: أولا؛ بدأت الحملة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، عبر ترويج صفحات ممولة (تم التحقق، ان بعض هذه الصفحات يديرها اشخاص ينشطون في أحزاب سياسية). قامت هذه الصفحات فور انتهاء ليلتي حرق المقرات الحزبية والقنصلية الإيرانية في البصرة، في وقت واحد، نشر صور لأربعة او خمسة ناشطين شباب مع القنصل الأمريكي في البصرة، واتهموهم بالجاسوسية والعمالة لصالح القنصل الأمريكي.

45  ـ ثانيا؛ العديد من هذه الصفحات مثل البصرة الخبرية، وقيس البدران، وشباب التغيير، وشباب المختار، وغيرها من الصفحات قد تم غلقها لاحقا، لكن واضح انها تابعة لأحزاب تمتلك فصائل مسلحة ومسيطرة على المشهد في البصرة. من بين الشباب الذين تعرضوا للهجمة، علي النور، فرقد الحلفي، ريهام يعقوب، نقيب لعيبي، وعلي مهنا، ومعظمهم ناشطين سلميين معروفين في الوسط المدني البصري، ولم يشتركوا سابقا بأعمال تخريب، بل ان البعض منهم كانت مشاركتهم في الاحتجاجات ضعيفة.

46  ـ ثالثا؛ لاحظ الفريق أيضا، تعرض العديد من الناشطين في محافظة البصرة، الى تهديدات عبر مراسلتهم من حسابات وهمية منشأة حديثا على مواقع التواصل الاجتماعي، او توجيه رسائل الى هواتفهم، مفادها ان الاحزاب والمليشيات تترصدهم في محاولة لإخافتهم ومنعهم من المشاركة في التظاهرات.  رسائل التهديد والتشهير، كان يتم نشرها فضلا عن مواقع التواصل الاجتماعي في جروبات “واتس اب” و”فايبر” وغيرها من التطبيقات. بعض الناشطين يرفضون الان التحدث الى أي جهة، واعتكفوا في منازلهم واغلقوا حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يردون على الاتصالات الهاتفية.

جـ – نشر الاخبار الكاذبة والتلاعب بالمعلومات:

47  ـ  تضمنت الحملة الدعائية المضادة ضد الناشطين، عمل نوع من التضليل الإعلامي بهدف قلب الحقائق ونشر معلومات ليس لها علاقة بالأحداث التي رافقت الاعمال الاحتجاجية. العديد من المنشورات التي روج لها عبر وكالات إعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي استخدمت مفردات مثل (الارهابيون، المخربون وغيرها)، وقامت بتسويقها للجمهور لتكوين صورة ذات نتائج انتقامية على بعض الناشطين. من الأمثلة التي نذكرها على ذلك، ما حدث مع الناشط نقيب لعيبي الذي لديه صورة مع حسن سساي ممثل الأمين العام للأمم المتحدة وهو غاني الجنسية، قامت جيوش الكترونية عبر السوشيال ميديا بإعادة نشرها مبينة ان الصورة تم التقاطها مع القنصل الأمريكي في البصرة وهو لا يشبه القنصل الا في لون البشرة، كما ان الناشط “لعيبي” لم يزر القنصلية الامريكية في حياته. المنشورات كانت موجهة لاتهام “لعيبي” بحرق القنصلية الإيرانية.

48  ـ مثال اخر، إبراهيم الريس احد ناشطي الاعمال الاحتجاجية في البصرة، تم توجيه تهم له عبر موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك بانتمائه الى تنظيم داعش الارهابي، وانه جاء من الغربية (يقصدون بها المحافظات غرب العراق)، وقامت القوات الأمنية باعتقاله مع أربعة اخرين لكن تم إطلاق سراحهم بعد يوم واحد فقط من اعتقالهم.

 

سادسا: موقف الجمهور البصري من النفوذ الإيراني في البصرة والحشد الشعبي والصراع ضد القنصلية الامريكية

49  ـ الكثير مما تناقلته وسائل الاعلام المحلية والأجنبية غير دقيق فيما يخص مواقف البصريين من النفوذ الإيراني والحشد الشعبي او حتى القنصلية الامريكية. اذ ينظر أهالي البصرة الى قضية التدخل الخارجي (الأمريكي او الإيراني) في المحافظة بشيء من التحفظ والتكتم، وهم يؤكدون انه امر لا علاقة له بمطالبهم المشروعة، او الازمة التي يعانون منها منذ أكثر من 5 أعوام.

50  ـ كل الشهادات والمعلومات التي جمعها الفريق سواء من مواطنين او ناشطين او وجهاء وشيوخ عشائر توضح بأنهم يكنون كل الاحترام والتقدير للحشد الشعبي، ويفتخرون بأنهم أكثر محافظة قدمت شهداء من اجل تحرير العراق من الإرهاب. لكن يؤلمهم بشكل كبير مالت اليه أحوال عوائل شهداء الحشد، والايتام الذين لم يهتم بهم أحد. وهم يوجهون الاتهامات الى فصائل مسلحة تحولت الى اجنحة عسكرية لبعض الأحزاب المتنفذة، وسيطرت على موارد البصرة ومنافذها وموانئها خدمة لمصالحها الشخصية، ولا يتشرط بالضرورة ان تكون تلك التي احترقت مقراتها.

51  ـ وبقدر تعلق الامر بالتواجد الإيراني والامريكي في البصرة، لا يحبذ البصريون التدخلات الخارجية من أي دولة كانت باستثناء تلك التي تتعلق بمصالحهم الحيوية (الخدمات، البطالة، المشاريع الاستراتيجية). وكل ما اشيع بترحيبهم التدخل الأمريكي على حساب الإيراني او بالعكس لم نلمس له أي دليل. مع ذلك، نشير الى مجموعة من النقاط رصدناها اثناء اجراء المقابلات وتسجيل الشهادات: كان واضحا وجود اعتقاد لدى أهالي البصرة ان الجارة إيران تمارس دورا سلبيا في المحافظة، ونوه اثنان من كل عشرة اشخاص التقيناهم علنا، ان إيران أحد أسباب الازمة في المحافظة، سواء عبر رميها النفايات والمواد الكيميائية من مبازلها الى شط العرب، او دعمها لأحزاب كانت سببا في خراب البصرة على حد تعبيرهم.

52  ـ بدا واضحا لنا أيضا، خلال فترة تواجدنا في المحافظة، وجود نوع من التحشيد ضد القنصلية الامريكية في البصرة عبر تعليق لافتات تتهم القنصلية بتدهور الأوضاع. كما نوه أربعة اشخاص (معظمهم من وجهاء البصرة) بان أمريكا تمارس دورا سلبيا في المحافظة. لكن الوضع العام يبين ان البصريين لا يعتبرون القنصلية الامريكية طرفا في الازمة، ونوهوا عن تقصير المجتمع الدولي في تقديم المساعدة، وتسليط الضوء على احتياجاتهم ومطالبهم، فضلا عن ضعف التغطية الإعلامية الدولية لما جرى في البصرة.

53  ـ يرحب البصريون باي جهد يبذل يمكن ان يساهم بإيصال صوتهم ومظلوميتهم الى العالم، ويساهم في حل أزمتهم. بعض قيادات التظاهرات وجدناهم مرحبين وداعمين للجهد الهندسي للحشد الشعبي الذي قدم من العاصمة للمساهمة في حل ازمة التلوث في المياه. ومثله عودة الخبراء اليابانيين للعمل على مشروع احدى محطات المياه.

سابعا: ماذا يقول اهل البصرة عن أزمتهم وكيف يتصورون مستقبلهم: وصف حال المجتمع البصري اثناء وبعد الاحداث التي مرت بها المحافظة

كما نوهنا في مقدمة هذا التقرير، ان المواطنين في البصرة وبعد مرور أعوام طويلة على تفاقم الازمة، وصلوا الى اقصى مراحل التحمل والصبر. وهم يشعرون بيأس شديد من الحكومة المحلية والمركزية وكل الأطراف المعنية بوضع المحافظة ان يكونوا قادرين على اصلاح الأوضاع.

يعتقد العديد من البصريين، ان بقية المحافظات العراقية استغلت طيبتهم، فالحكومة والأحزاب وبقية المحافظات منتفعين بمواردها، وعوضا عن تقديم الدعم والتعاطف مع الازمة التي مروا بها، مازالت المخلفات الصناعية والكيميائية من بقية المحافظات تلقى في مياههم التي أصابها التلوث.

المحافظات تجاوزت على حصة البصرة المائية، والنفط الذي يشكل العصب الرئيسي للاقتصاد في العراق يتسبب استخراجه في تلوث البيئة، واصابة المواطنين بأمراض السرطان. والعمالة العراقية في الشركات النفطية لا يستفيد منها شباب البصرة، وانما يتم تعيين شباب بقية المحافظات رغم ازدياد مستوى الفقر في المحافظة.

لقد ضحت البصرة بأراضيها الزراعية التي تم تجريفها وثروتها الحيوانية والسمكية التي قلتها التلوث بسبب شركات النفط، وتلوث المياه. بالمقابل فهم يشعرون ان بقية المحافظات تنظر لهم بطريقة دونية.

هذه الأمور وغيرها بدأت تشجع بذرة الانفصال لدى جماعات من الجمهور البصري، وهم يعتقدون ان خياراتهم أصبحت محدودة، ولم يبقى لهم سوى تهديد الحكومة بقطع النفط، او محاصرة منازل المسؤولين، او المطالبة بالإقليم، او وضع البصرة تحت الوصاية الدولية.

هناك جيل شبابي في البصرة، تتراوح أعمارهم من 15 الى 24 عام، تصوراته مختلفة تماما عن الوضع العام، فهو جيل مندفع مليء بالطاقة والحماس، عاطل عن العمل، غير عقائدي يعيش الحرمان والظلم والتضييق على الحريات. وقد يكون من السهولة بمكان تعبئة هذا الجيل الشبابي بالأفكار السلبية، او دفعه للجوء الى العنف، او تجنيد افراد منهم في جماعات متطرفة تلجأ الى العنف للتعبير عن رأيها، وتحقيق مطالبها.

ينتظر اهل البصرة من العراقيين والمجتمع الدولي، ان يبادروا لمساعدتهم في وضع حد لمعاناتهم، وتأييد مطالبهم التي قدموها الى السلطات المحلية والمركزية من خلال الاحتجاجات والاجتماعات الرسمية في عام 2011، و2015، واخرها في عام 2018. الظلم والمعاناة التي يتعرضون لها حقيقية، ومخاوفهم المتعلقة بتدمير المحافظة، وتهجير وابادة سكانها يجب ان تؤخذ في الحسبان. ونؤيد في هذا التقرير اعتبار البصرة مدينة منكوبة، واحد الأماكن المحتملة لنشوب الصراع. ومالم تجد الجهات المعنية الحلول سريعا، فان هذه العاصمة الاقتصادية معرضة الى نكبة اشد من سابقتها. وعند هذه المرحلة لا نحسب ان رسائل التحذير وخطط المعالجة ستكون ذات جدوى، او سيكون اوانها قد فات.

 

 

ثامنا: التوصيات:

توصيات الى الحكومة العراقية:

  • تمثل ازمة البصرة مثالا جيدا لفهم الالية التي يجب ان تتعامل بها الحكومة مع الازمات التي يرافقها غضب واحتجاج جماهيري واسع. من الضروري جدا عدم الاستخفاف بالأزمة او اعتبار ان التداعيات مبالغ بها، او محاولة كتم الحقائق او نكران النتائج السلبية عن الجمهور. يهم الجمهور في هذه الحالة، ان يجد الحكومة في اقصى درجات الاستعداد لحل الازمة، والاثبات للمواطنين ان حياتهم ومعاناتهم هي محط اهتمامها وتركيزها. يعتبر كل مواطن بصري، ان تصريح وزيرة الصحة بشأن اعداد حالات التسمم استهانة وعدم اهتمام من وزارة الصحة والحكومة بحياة سكان المحافظة، فتصريحها هذا كان نقطة حاسمة للبصريين باتخاذ موقف حول تصعيد الاعمال الاحتجاجية بعد ان فترت.
  • على الحكومة العراقية، دعم مطالب أهالي البصرة فيما يخص فتح تحقيق بشأن الانتهاكات والخروقات التي ارتكبتها القوات الأمنية (المتظاهرين الذين سقطوا بنيران القوات الأمنية، أوامر فتح النار الحي، والاستخدام المفرط للعنف) بحق متظاهرين سلميين لا سيما تلك التي وجهت الى قائد عمليات البصرة اثناء اندلاع الاحتجاجات “جميل الشمري” لانتهاكه مادة أساسية من مواد الدستور العراقي التي تكفل حرية العمل الصحفي، واصداره أوامر باحتجاز مراسلين ومصورين اثناء تغطية الاحتجاجات. ان فتح التحقيقات لا يعني ادانة من توجه لهم الاتهامات من منتسبي القوات الأمنية بقدر تشجيع المواطنين للاحتكام للقانون، عوضا عن الشعور بالظلم والتهميش الذي غالبا ما يكون المبرر للجوء الى العنف.

 

  • من الخطوات الإيجابية، التركيز على حصر جهات المراقبة والمحاسبة والاعتقال بيد جهة امنية واحدة. تضارب الصلاحيات الأمنية ساهم في زيادة موجة الاعتقالات في مختلف الأماكن التي اندلعت فيها اعمال احتجاجية الى أكثر من 200%، ونحن نقدر عدد حالات الاشباه الفعلية بـ 50 حالة او اقل، (اما العدد الفعلي للمعتقلين حاليا على خلفية اتهامهم بالتخريب لدى الجهات الأمنية اقل من 20 شخص) في حين وصل عدد من اعتقلتهم القوات الأمنية خلال الاحتجاجات الى أكثر من 400 متظاهر معظمهم لم يكن هناك مبرر لاعتقالهم، ولهذا تم إطلاق سراحهم أحيانا في نفس اليوم او غداة اليوم التالي للاعتقال. كما نؤكد هنا، بان تعدد القوات الأمنية التي تمارس الاعتقال، والتعامل مع التظاهرات كانت من اهم أسباب وقوع ضحايا في صفوف المحتجين كما حدث مع حالة مقتل المتظاهر حارث السلمي، او مع حوادث أخرى كان يفترض بأفراد الامن انهم تلقوا تعليمات بفتح النار في الهواء لتفريق المتظاهرين، لكن الأسلحة توجهت نحو المتظاهرين.

 

  • من الخطوات الإيجابية أيضا التي أقدمت عليها السلطات المحلية في البصرة مؤخرا تدريب قوات امنية متخصصة للتعامل مع المتظاهرين وحفظ الامن في الحالات التي تشهد احتجاجات. ما بين %50 الى 60% من الشخصيات التي تم مقابلتها في البصرة، يعتقدون ان السبب الرئيسي لتصعيد الاحتجاجات هو قمع القوات الأمنية لها، بينما تشير نسبة اقل منها الى البطالة وتفاقم حالات التسمم في المحافظة.
  • نوصي مجلس القضاء الأعلى، بالاستجابة العاجلة للانتهاكات التي حدثت بحق العديد من المتظاهرين في البصرة، عبر قيام جهات امنية باعتقالهم دون مذكرات قضائية او تهم واضحة موجهة لهم والايعاز لأعضاء السلطة القضائية بالإفراج عنهم فورا.
  • على وزارة النفط العراقية، ان توضح مدى التزام الشركات النفطية بقانون تحسين وحماية البيئة رقم (27) الصادر سنة 2009، فيما يتعلق بمراقبة مؤشرات التلوث في الهواء والتربة والمياه، وتوضيح نتائج الدراسات التي أجريت بهذا الصدد ان وجدت. ومن الضروري طرح أي معلومات او مؤشرات تملكها المؤسسات المعنية بهذا الصدد بشكل شفاف، وان تكون المعلومات متاحة للاطلاع من قبل الجميع عبر نشرها في المواقع الرسمية، مع اتاحة وسائل الاتصال من اجل ان يساهم المواطنين المتأثرين بمصادر التلوث بالمعلومات.
  • لا يعرف المواطنين في البصرة، الى أي جهة يقدمون شكواهم المتعلقة بخروقات الشركات النفطية، وتعرض اجوائهم وارضهم للتلوث. اذ ليس هناك جهات رسمية تعلن بشكل واضح للمواطنين بانها الجهة ذات الصلة بهذا الامر. ولهذا فالكثير من الشكاوى والتحذيرات التي بعثها مواطنون الى الجهات المسؤولة لم يتخذ بصددها أي اجراء، وضاعت فيها حقوق المواطنين.

توصيات الى رئيس الوزراء المكلف ـ القائد العام للقوات المسلحة

  • توجيه اجهزة وزارة الداخلية المختصة بملاحقة اصحاب الصفحات الصفراء (الصفحات التي تنشر اخبار كاذبة او مفبركة) الذين حرضوا على قتل عدد من الناشطين، وتتبع صفحاتهم من خلال قسم مكافحة الجريمة الالكترونية لدى الوزارة، والكشف عن الجهة التي تقف وراء هذا التحريض غير المبرر. وتوفير الحماية للشباب الذين طالهم التهديد وتشويه السمعة.
  • في تظاهرات البصرة، وفي أي تظاهرات قادمة، ينبغي للحكومة القادمة ان ترعى الانتباه عن إطلاق مفردات المندسين، البعثيين، الإرهابيين، العملاء… وغيرها في وصف بعض او كل المحتجين. وجود 50 مندس في تظاهرة يشارك فيها عشرات الالاف لا يعني ان مطالبهم أصبحت غير مشروعة. ان الخطابات الموجهة من الجهات المسؤولة في مثل هكذا أزمات في العراق، غالبا ما تتضمن ارسال تحذيرات وعواقب للجمهور تشجع على احتقان وغضب المتظاهرين عوضا عن ردعها. معظم الشخصيات التي تم لقائها في البصرة، وضحوا ان استجابة الحكومة للازمة التي تفاقمت كان التخوين والتهجم على المتظاهرين، وليس ارسال عشرات الوفود الوزارية واللجان الهندسية التي قدمت لتحل المشكلة.

 

 

 

 توصيات بعثة الأمم المتحدة (يونامي) والمنظمات الدولية والمحلية العاملة في العراق:

  • يؤشر هذا التقرير أهمية تشكيل لجان متخصصة تكون مهمتها الذهاب الى البصرة، والتحقق من المعلومات المتعلقة بحالات التلوث في المياه والتربة والهواء وعمل الفحوصات اللازمة. ونؤكد لكم خطورة الموقف في محافظة البصرة فيما يخص تعرض الأهالي الى الإصابة بحالات تسمم، وامراض السرطان، والربو والحساسية من جراء تعرضهم الى الملوثات لا سيما للمواطنين الذين يسكنون في مدن قريبة من شركات استخراج النفط والغاز، او مطلة على امتداد اللسان الملحي في شط العرب. وان هذه الحالات ترتقي الى مستوى فتح تحقيق عاجل، بعد ان تعمدت أجهزة حكومية التكتم عن الموضوع، واهمال حالات عديدة تعرض فيها المواطنون الى الموت بسبب الملوثات، او اصابتهم بأمراض خطيرة وتشوهات خلقية.
  • قد يشكل مبادرة بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) بلقائها وفد من أهالي وناشطين واعيان محافظة البصرة للاستماع الى شكواهم ومخاوفهم من تفاقم الازمة في البصرة خطوة إيجابية ومهمة لتخفيف الاحتقان والشعور بالظلم لدى الأهالي. ان توثيق هذه الشهادات لدى جهة مسؤولة ومحايدة، سيمثل ركيزة تنطلق منها بقية المؤسسات غير الحكومية، لتقصي المعلومات، وايضاح الحقائق واتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من معاناة المواطنين في محافظة البصرة.
  • نوصي في هذا التقرير أيضا على ضرورة تعاون المنظمات غير الحكومية مع هيئة الحشد الشعبي بشكل رسمي، من اجل تنسيق الدعم وتقديم المساعدة الاجتماعية للفئات الضعيفة والمهمشة في البصرة، لا سيما عوائل شهداء الحشد الشعبي (الأطفال والنساء)، والتأكد من حصولهم على الرعاية الكاملة. على ان يتم هذا التعاون بشكل رسمي عبر التنسيق مع مجلس الوزراء (الجهة الحكومية المرتبطة بها مؤسسة الحشد) والتأكد من عدم استغلال هذه المبادرة في اتجاهات قد تكون ذات صلة بالصراعات الإقليمية الخارجية، او الأيديولوجية الداخلية.
  • نشدد أيضا على ضرورة ان تأخذ بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) وشركائها على عاتقها المساعدة في الضغط على الحكومة المركزية للالتزام بالمواثيق والعهود ذات الصلة بتعزيز حقوق الانسان والتحقيق في الانتهاكات التي ترتكبها القوات الأمنية عبر ارسال مذكرة رسمية معززة بالشهادات والحقائق. وتوجيه نداء استغاثة الى المجتمع الدولي، والمبادرة لتنسيق الجهود الدولية الرامية الى إغاثة اهل البصرة وتوجيه المساعدات الإنسانية والرعاية الصحية اللازمتين.
  • نوصي أيضا بضرورة ان توجه المنظمات الدولية والمحلية جهودها وبرامجها نحو محافظة البصرة، وتعزيز قنوات الاتصال باللجان التي شكلها قادة التظاهرات، وتوفير الدعم والتدريب المطلوبين لمساعدتهم في رصد وتوثيق انتهاكات حقوق الانسان، والحفاظ على سلمية الحراك الاحتجاجي.

توصيات الى السفارة الامريكية في بغداد والقنصلية الإيرانية في البصرة

  • لا يرحب أهالي البصرة بالتدخل الخارجي، تحت أي شكل كان في شؤونهم الداخلية. وهم يرون ان معركتهم الحقيقية مع الحكومة والأحزاب (لا سيما التي تملك اجنحة مسلحة) فحسب. ان الموقف الذي ننصح السفارات والقنصليات اتخاذه في مثل هذه الحالات، باعتبارها بعثات دبلوماسية هو التزام جانب الحياد، او مساعدة المؤسسات الحكومية والخدمية بالخبرات والموارد المطلوبة لحل الازمات.

 

 

مع تحيات فريق التقصي:

وسام جعفر المدير التنفيذي ـ منظمة تواصل لتمكين الشباب
مصطفى ناصر رئيس جمعية الدفاع عن حرية الصحافة
احمد حسن مدير مركز امارجي
رؤوف محمد نوري عضو فريق الدعم القانوني ورئيس منظمة تواصل لتمكين الشباب
غيث سعدون محسن منظمة تواصل لتمكين الشباب
حذيفة باهر عبد الجبار رئيس فريق الملجأ للمساعدات الانسانية

 

ملاحظة: للاطلاع على التقرير الكامل بالهوامش والشهادات يرجى مراسلتنا عبر البريد الالكتروني: freedompress2@gmail.com

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *