مشروع قانون جرائم المعلوماتية في العراق بين مقصلة المشرع وكواتم الجناة

هالة السلام

لا يمكن ان يكون الانترنت ملاذاً آمناً للمجرمين، ومنطلقاً لإهانة الناس وتشويه سمعتهم والتحريض على قتلهم، او الحط من كرامتهم، بحجة حرية التعبير، فهذه جريمة لا حرية وفقا للمعايير القانونية الدولية.
كما لا يمكن للسلطة تقييد وصول المستهلك للشبكة الدولية، وتنصيب نفسها رقيبة على ارائه ومعتقداته.
من هذين المعيارين انطلق لمقارنة وجه وشكل مشروع قانون جرائم المعلوماتية، الذي تحول لورقة سياسية تُشهر بوجه الشارع العراقي كل عام، وقوانين الاتصالات والمعلوماتية المنظِمة في بلدان الديمقراطيات المتقدمة.
تعتمد تلك الأنظمة سقوفاً اخلاقية وضوابط ومعايير اجتماعية لحرية استخدام الانترنت، والسوشيال ميديا، نجحت في كبح سلوكيات مُجرَّمة، والحد من خطابات الكراهية والعنف والإرهاب، وأشركت في صياغات تلك القوانين أصحاب المصلحة المباشرة، كالصحفيين وأصحاب الرأي والمنظمات المعنية بحرية التعبير.
ما يدفعنا لطرح هذه الضرورة المفصلية من عمر النضال للدفاع عن الحق الدستوري الصارخ “حرية التعبير”، هو موجة المليشيات الإلكترونية ذات المنهج التسقيطي، وبث الإشاعات الرامية الى الطعن بالشرف تارة، والصاق تهم تنص القوانين العقابية العراقية على مرتكبها بالإعدام.
اذ تؤكد المؤشرات ارتفاع مستوى خطابات الكراهية والتحريض، في السوشيال ميديا العراقي، بتمويل مباشر من اموال احزاب السلطة المتحكمة بكل موارد النفط والثروات، وهذا ما يدفع البرلمان العراقي الى تأخير قانون جرائم المعلوماتية، خشية ضغط الشارع للمطالبة بتجريم هذا النوع من الخطابات (كما جاء في مسودة تعديل القانون المعد من قبل جمعية الدفاع عن حرية الصحافة)، او الجيوش الالكترونية التي توفر لأحزاب السلطة أدوات وأوراق ابتزاز من نوع آخر.
تجدر الإشارة الى ان النصوص القانونية الدولية تكاد تكون متقاربة بالنظر الى المعاهدات والمواثيق الدولية المحدثة، التي كفلت حقوق الافراد في التعبير عن آرائهم، وجرمت خطابات الكراهية والدعوات الى العنف او التحريض على القتل.
مثلا، تنص المادة 10 من قانون حقوق الانسان البريطاني لعام 1998، على كفالة حق حرية التعبير لكل فرد، شريطة ان تخضع لشروط وضوابط وعقوبات وفقاً لما ينص عليه القانون ويصب في مصلحة مجتمع يحافظ على ديمقراطيته؛ وتهدف هذه الاشتراطات لمنع الفوضى أو الجريمة، لحماية الصحة، والأخلاق، وسمعة وحقوق الآخرين، ومنع إفشاء المعلومات، وتأمين الثقة المجتمعية،.
قبل اسابيع ايضا ذهبت المملكة المتحدة الى تحديث قانونها الخاص بـ”جرائم الاتصال” على ضوء المخاطر الجديدة التي ظهرت في عالم التواصل، واضيفت مواد جديدة الى القانون، تشمل جرائم جديدة من ضمنها ( جريمة نية الضرر، التواصل الخادع او الحسابات الوهمية، والتهديد)، ويركز مشروع تحديث قانون الأمان على الانترنت، في المملكة المتحدة، على تنظيم المنصات عبر الإنترنت، بينما تنطبق الجرائم الجنائية الجديدة على الافراد.
في حين ما يزال المشرع العراقي يفتقر الى هذا المعادل الذهني، الذي يحامي عن حرية التعبير ويمنع وقوع الجرائم باسمها في وقت واحد، بالنظر الى فقره المعرفي في تعريف مفهوم حرية التعبير، فيذهب تارة الى تجريم اصل الحق، وأخرى الى اعتبار المجَرَّم دوليا حقا، في ظل وجود العديد من القتلة الطلقاء، ممن يخلقون بيئة غير قابلة للتنظيم في العراق، تؤدي الى قمع الاصوات الحرة، وتكفل ابقاء المجرمين طلقاء.
هذا الأمر يُغرق ذهن الفرد العراقي بقلق كبير، ويسوقه الى فكرة اطفاء حسابات السوشيال ميديا، التي تحولت لجزء من حياة معظم مستخدمي الانترنت، وهي فكرة غير قابلة للتنفيذ في قناعاتهم، وهذا يشجع ابقاء الفوضى على ما هي عليه، واستمرار الفراغ القانوني، وإطالة عمر الجيوش أو المليشيات الإلكترونية، المسؤولة الأولى عن نشر جرائم الاتصال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *