إدريس جواد
لا يكاد يمر يوم من غير تسجل المنظمات المعنية بحرية الصحافة تضيقاً او تعسفاً او اعتقالاً ضد الصحفيين والإعلاميين او المؤسسات العاملين فيها، وهو ما يزيد من الهواجس التي تعتري تلك المنظمات من اتساع ذلك النشاط غير المسؤول من قبل الجهات الأمنية او تلك القائمة على تنظيم العمل الإعلامي في العراق، التي تستخدم السلطة أداةً لتبطش بها كل من يخالفها بالرأي او يكشف بعض الحقائق التي لا تريد إظهارها للرأي العام.
حيث تستند تلك الجهات على القوانين والضوابط والتعليمات وقواعد السلوك المنظمــة لقطــاع الإعلام بمختلف وسائله وأشكاله، والتي نصت بشكل مباشر على إقرار عقوبات بحق كل من يقوم بنشــر أو إذاعــة أو بث أخبـار أو معلومــات من شأنها أن تعرض الأمن الوطني للدولة إلى الخطر، غير أن تنفيذ تلك البنود بصرامتها، يشكل انتهاكاً للمادة الثامنة والثلاثين من الدستور التي ضمنت حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة، ويحولها من مادة دستورية إلى نصوص فاقدة للإنفاذ، وهو ما حدث فعلاً في كثير من الحالات، حيث تم تسجيل عدد من الانتهاكات ضد الإعلاميين والصحفيين من تضييق عملهم، ومنعهم من التغطيات،وتعرض الكثير منهم إلى المئات الحوادث، التي تدخل في باب قمع وانتهاك الحريات الصحفية، فضلاً عن الضغوطات والتهديدات من قبل صغار الموظفين والمسؤولين الحكوميين والمنتمين إلى الأحزاب، الذين يمارسون الضغوط والاعتداء ومنع الإعلاميين والصحفيين من الوصول إلى مصادر المعلومات، فضلاً عن حالات الضرب والتضييق والملاحقة والمحاسبة التي تعرض لها الكثير منهم.
فحرية الإعلام بكل مفرداتــها معرضة بشكل مستمر للانتهاك والمصادرة، ويتوقف رفع ما يصيبها من قيود تكبلها، على الحس السياسي لدى الرأي العام، وأيضاً على مدى وجود المؤسسات التي تكفل إعادة الاعتبار لها وتطبـيق بنودهــا، لذا فقد يستدعي الأمر إدراج مضامين أخرى للحرية قد تجد طريقها إلى الحس الاجتماعي وفي مشاعر الناس، وهو ما يتطلب تحويل المضمون الجديد لها إلى واقع حقيقي معاش، وذلك عن طريق تشريعات جديدة تحول حرية الإعلام من شعــار إلى واقــع، ومن حرية ضائعة إلى حرية عامــة تكفل تطبيقها القوانين والمؤسسات.
وفي وسط تلك الامنيات نجد أن التوجه العام للسلطة التشريعية يذهب إلى وضع قواعــد قانونية ملزمــة، تتقاطع بطبيعتها مع أبسط مبادئ الحرية في تداول المعلومــات والأفكار والآراء في مجال الإعلام، فعند الحديث عن التشريع الإعلامي وعلاقته بحريــة تداول المعلومات، يستحضر الذهن تلك القيــود التي تعمل السلطة على إنشائها، من قبيل قانون جرائم المعلوماتية وقانون الاتصالات والمعلوماتية وقانون هيئة الإعلام والاتصالات، وهي قوانين إذا ما شرعت بشكلها الحالي فتكون ركيزة لأي فعل يكون مؤداه تقيد حرية وسائل الإعلام.
وهذا يبين لنا بشكل واضح إن القوانين الخاصة بحرية الإعلام (المشرعة والتي لا تزال قيد التشريع) ورغم أن عنوانها العريض هو تنظيم العمل الإعلامي، إلا أنها لم تخلو من بنود تضمنت تقيد ورقابة قبلية وبعدية، وعرقلة لعمل وسائل الإعلام في أحيان كثيرة، خصوصاً بعض المواد القانونية القابلة للتأويل، وهذا يحتاج إلى رؤية قانونية واضحة من قبل المشرع لأهمية عمل وسائل الإعلام والدور الذي تؤديه في تعزيز الديمقراطية الناشئة في العراق.
فحرية الإعلام تحتاج إلى خطوات عدة قبل الشروع بالتنظيم القانوني لها، من بينها التقليل من خضوع وسائل الإعلام للرقابة المسبقة، بل يجب حصر تلك الرقابة في أضيق الحدود مع الحرص على ألا تكون في جميع الأحوال، وحتى في الظروف الاستثنائية أو حالة الطوارئ، إضافة إلى تحديد تدخل المشرع في إصدار التشريعات التي تحد من حريــة الإعلام وتحــرم الممارسة الإعلاميــة، مع تحديـــد مجال تطبيق القواعـــد القانونية التي يعــد الإعلامي إذا انتهكها مسؤولا مدنيـــا وجزائيـــا تحديداً دقيقاً، فضلاً عن ضمان حرية وسائل الإعلام في تقصي الأنباء والأخبار ونقلهــا، والرجوع إلى مصادر المعلومــات والحفاظ على سريتها، وفي النهاية أن يكون القضاء هو الفيصل في أي تجاوز تقع فيه وسائل الإعلام، وهو وحده الذي يقرر الفصل في أية إشكاليات تحدث وفق القواعد القانونية المرعية.
وبصورة عامة فإن الحديث عن حرية الإعلام تبرز معه الحاجة إلى تنظيم قطاعـي الاتصــال والإعلام وهو ما يتطــلب توفــير المنــاخ الفكري والسياســي والثقافي الملائــم عن طريق تشجيــع سياســة اتصالية تأخــذ بالاعتبار طبيعــة المجتمع، وخصوصيات النظــام السياسي وأخلاقيات المهنة، حيــث إن أداء الإعلام في أي دولــة يتحدد في مستوى تلاقــي مجموعــة من العوامــل والضوابــط والأهداف المترابطة، من بينها الأرضية الفكريــة والسياسيــة وصولاً إلى الإطار التنظيمي والتشريعــي الذي يحتــوي الإعلام ويؤدي فيه رسالته المنشودة.