27-8-2011
تعد جمعية الدفاع عن حرية الصحافة ، تمرير البرلمان لـ” قانون حقوق الصحفيين ” ، بانه يعكس أرادة الطبقة السياسية والحزبية المشاركة في البرلمان والحكومة باعادة السيطرة على وسائل الاعلام وانهاء حرية الصحافة المكتسبة ، واعادة انتاج اعلام سلطة مرة أخرى وليس اعلاما حرا . وترى الجمعية ان تمرير القانون يؤكد ان البرلمان قد خالف أهم واجباته وهي صيانة الدستور والحفاظ على النظام الديمقراطي في البلاد ، لاسيما وان القانون يخالف بكثير من مواده النصوص الدستورية لاسيما المواد13 و14 و 38 و46 ، مايتيح لجمعية الدفاع عن حرية الصحافة والمؤسسات الاعلامية وجميع الصحفيين بل وحتى باقي شرائح المجتمع أستنادا على مبدأ المواطنة والمساواة الطعن في هذا القانون امام المحكمة الاتحادية . وعلى الرغم من ان الدستور لايعطي الحق لرئيس الجمهورية بنقض القوانين التي يصدرها البرلمان أو ردها ، لكن الجمعية كانت تأمل من الرئيس جلال طالباني بان يرفض التوقيع على القانون كنوع من الاحتجاج لاسيما وان واجبه هو السهر على الدستور وحمايته. وتعتزم الجمعية تقديم طعنها بالقانون بعد عطلة العيد لاسيما وانه دخل حيز التطبيق بعد توقيع رئيس الجمهورية ونشره بالجريدة الرسمية. وترى الجمعية ان القانون تضمن مخالفات دستورية واخطاء في الصياغة التشريعية لا تليق بالتراث القانوني العراقي ولا تنسجم مع التوجه الديمقراطي للحكم ، لاسيما وان القوانين الرديئة هي اسوء الوان الاستبداد لذا لابد لجمعيتنا الساعية للدفاع عن حرية الصحافة ان تبين الاتي :
أولا: الملاحظات العامة:
أ. إذا كانت المخاطرُ التي تواجه فئة اجتماعية سبباً لتشريع قانون لحمايتها فان هذا سيوجب تشريع عشرات القوانين لحماية مختلف الفئات الاجتماعية إضافة للصحفيين كالعلماء وأساتذة الجامعة ومنتسبي قوى الأمن الداخلي والدفاع ورجال المرور وغيرهم وهذا ليس بمنطقي، فإذا أُفرِدَ الصحفيون بهذه الحماية بسبب المخاطر الظرفية المؤقتة التي واجهوها فان هذا سيخل بمبدأ المساواة بين العراقيين أمام القانون وفق المادة 14 من دستور جمهورية العراق.
ب. إن حماية الفئات الاجتماعية المختلفة مكفولة بموجب القوانين العراقية النافذة كما أن تعويضهم عن الإصابات التي تلحق بهم جراء العمليات الإرهابية أو العسكرية أو غيرها مكفول بقانون تعويض المتضررين جراء العمليات الحربية والأخطاء العسكرية والعمليات الإرهابية رقم 20 لسنة 2009 فلا يستساغ إصدار قوانين جديدة في هذا الصدد.
ج. طالما إن هنالك قانوناً يخص نقابة الصحفيين العراقيين وهو قانون رقم 178 لسنة 1969 النافذ وطالما أن مشروع القانون محل الدراسة يخص شريحة الصحفيين فمن اللازم أن تقدم النصوص الإضافية على شكل تعديل للقانون النافذ وليس بقانون جديد.
ثانيا .الملاحظات الخاصة:
أ.نص المادة 1/1 يعرف الصحفي بأنه “كل من يزاول عملاً صحفياً وهو متفرغ له”، وهذا يتعارض مع نص المادة 1/6 من قانون نقابة الصحفيين كونها تعرف الصحفي بأنه المنتمي لها وبالتالي لضمان عدم تعارض النصوص وجب الإشارة بوضوح إلى إلغاء النص المتعارض مع الحكم الجديد، كما ان في تعريف الصحفي قصور كبير غير كاف لتعريف الصحفي تعريفا نافيا للجهالة قابل لشمول كافة من يعملون في مجال الصحافة والاعلام وكان الاجدر ان يكون (الصحفي هو كل شخص طبيعي يمارس مهنة الصحافة المقروءة او المسموعة او المرئية تحت هذا العنوان ،ومتفرغا لها).
ب .الفقرة 1 اوردت عبارة (عملا صحفيا ) وهي تقتضي التعريف اي بيان معنى العمل الصحفي ونوعه لا ان تكون عبارة مبهمة اذ يفترض تعداد انواع العمل الصحفي تجنبا للاجتهاد .
ت. اشترطت الفقرة 2 من المادة 1 على المؤسسة الاعلامية ان “تكون مسجلة وفق القانون ” ، والملاحظ على هذه الفقرة انها لم توضح اي قانون يجب ان تسجل عليه ؟ اذ لا يوجد قانون مثل هذا النوع في العراق ، كما ان في ذلك تعسف كبير على حرية الصحافة والتعبير عن الرأي ، ناهيك عن النشاط الاعلامي عبر مواقع الانترنت والمدونات ومواقع التواصل الاجتماعي وهي اكثر سعة في التداول الاعلامي في الوقت الحاضر والمستقبل . كما ان في الدول الديمقراطية لاتشترط على المطبوعات مثل الصحف والمجلات التسجيل أو الحصول على اجازة ، وفقط القنوات الفضائية والارضية تأخذ اجازة في الحصول على الحزمة الترددية ، وليس التسجيل كوسيلة اعلامية .
ث. المادة 2 ” يهدف هذا القانون الى تعزيز حقوق الصحفيين و توفير الحماية لهم في جمهورية العراق”، والمؤكد هنا ان “القانون هو تكبيل لحرية الصحافة وتقييد لحقوق الصحفيين وليس نعزيزا لها حيث يسعى القانون الى تقنين هذه الحقوق على وفق رغبة الحكومة”.
ج.لم تبين المادة الثالثة التي تنص على ” تلتزم دوائر الدولة والقطاع العام والجهات الأخرى التي يمارس الصحفي مهنته أمامها تقديم التسهيلات التي تقتضيها واجباته بما يضمن كرامة العمل الصحفي” ، ما هي طبيعة التسهيلات التي على دوائر الدولة أن تقدمها للصحفي ولا كرامة العمل الصحفي التي قصدتها مما يجعل تلك المصطلحات مرنة وقابلة للتفسير بما لا يحقق حماية تذكر للصحفيين في هذا الصدد، ولاتقدم لهم اي تسهيلات.
ح.المادة 4 / اولاً : ” للصحفي حق الحصول على المعلومات والأنباء والبيانات والإحصائيات غير المحظورة من مصادرها المختلفة وله الحق في نشرها بحدود القانون ” ، وأشتراط منح الصحفي حق الحصول على المعلومات بـ”غير المحظورة وحق نشرها بحدود القانون”، يفرغ المادة من محتواها ، ويجعلها لاتكفل أي حق جديد للصحفيين أو امكانية للحصول على المعلومة ، فالقوانين التي يجب احترامها بشأن حظر المعلومات أو نشرها هي القوانين النافذة التي شرعتها النظم الإستبدادية السابقة ، لذلك فأن المادة شرعنت التكتم على المعلومات وشرعنت حظر نشرها للمتلقي بإسم قوانين الأمس.
خ. المادة 4 / ثانياً تنص على ان للصحفي حق الإحتفاظ بسرية مصادر معلوماته، وكان المفروض ان يلزَم الصحفي بالحفاظ على سرية مصدر المعلومة، أما ترك الامر لإرادته في ان يحفظ أو لا يحفظ تلك السرية ، فسيؤدي الى زعزعة الثقة بين الصحفي ومصادر معلوماته وبين الصحفي والجمهور.
د. المادة 5/ثانياً : “للصحفي حق التعقيب فيما يراه مناسباً لإيضاح رأيه بغض النظر عن اختلاف الرأي و الاجتهادات الفكرية و في حدود احترام القانون” وتعلق هذه المادة حق التعقيب على احترام حدود القانون، وقد بينا آنفاً أن القانون النافذ قد سُنَّ في زمن الدكتاتوريات الغابرة وحدوده لا يمكن ان تكون محل احترام في العراق الجديد ولكنها محل احترام بموجب هذا النص وأشباهه.
ذ.المادة 6/اولاً: ” للصحفي حق الاطلاع على التقارير والمعلومات والبيانات الرسمية وعلى الجهة المعنية تمكينه من الاطلاع عليها والإفادة منها ما لم يكن إفشاؤها يشكل ضرراً في النظام العام و يخالف أحكام القانون”، و تعلق هذه المادة حق الوصول إلى المعلومات مرة أخرى بعد تقييده بموجب المادة 4/اولاً ولكن التقييد مركَّبُ هذه المرة باحترام القانون وعدم إفشاء ما يضر بالنظام العام، وهذا المصطلح يعد من أسهل ما يمكن ان تتكئ عليه النظم الاستبدادية الشمولية من حجج لقبر حرية الوصول إلى المعلومات وهو بلا ريب أقوى شرعنة لحجب المعلومات في دولة ينخر فيها الفساد وأسهل سبيل لقمع حرية الوصول إلى المعلومات بحجة يسيرة تستعمل ليل نهار في عراقنا الذي فيه حسٌّ امني وتكتمي عالٍ لا يعوزه مثل هذا النص لوأد الحرية المذكورة. وبدل أن يشرع البرلمان للسلطة الرابعة ما يعينها على كشف الانحرافات والفساد لتعينه على محاسبة المفسدين سيكون هذا النص بالمرصاد للصحفيين إذا ما أرادوا الوصول إلى المعلومات، وسيمنعهم من الوصول الى ابسط المعلومات وسيقضي نهائيا على حرية الصحافة المكتسبة .
ر.المادة 6/ثانياً : ” للصحفي حق الحضور في المؤتمرات والجلسات والاجتماعات العامة من اجل تأدية عمله المهني”، ولا نعلم ما الحق الجديد في حضور جلسة هي بالأصل عامة وبامكان اي شخص حضورها وليس الصحفيين فقط أو ما الذي سيترتب على عدم منح هذا الحق لهم، لانها لم تنص على وضع تبعات قانونية على من يمنع الصحفي من الحضور.
ز. المادة ـ 7 : “لا يجوز التعرض الى أدوات عمل الصحفي الا بحدود القانون”، هذه المادة لا تعني اي حق للصحفي في ضمان عدم التعرض لادواته الضرورية لعمله كادوات التصوير او التسجيل او الكتابة او اجهزة الاتصال وغيرها من المعدات والاجهزة الخاصة بعمله الاعلامي ،مادام ذلك مباحا بحدود القانون الذي قد يعني قانون التنفيذ مثلا او غيره من القوانين التي تجيز الحجز والتنفيذ الجبري عليها ، وكان الاجدى بالمشرع لو انه وضع حماية فعلية لممتلكات الصحفي والمؤسسة الاعلامية من التعرض للحجز او الاستيلاء عليها ما لم يكن ذلك بسبب دين ناشئ عنها .
س. المادة 8 : “لا يجوز مساءلة الصحفي عما يبديه من رأي او نشـر معلومات صحفية وان لا يكون ذلك سبباً للإضرار به ما لم يكن فعله مخالفاً للقانون” ، وهنا الصحفيون العراقيون سيتورطون بهذه المساءلة طالما حكمتهم القوانين الجائرة السابقة التي تحرم النشر غير المرغوب فيه وبموجب قانون العقوبات العراقي لا سيما نصوص جرائم النشر ومواد التشهير الجنائي فيه.
س. المادة – 10- أولاً: “لا يجوز استجواب الصحفي او التحقيق معه عن جريمة منسوبة اليه مرتبطة بممارسة عمل الصحفي الا بقرار قضائي”، وقد فات واضع النص ان المشكلة ليست في مدى امكانية الحصول على امر قضائي ،لكن المشكلة في القوانين التي يجري التوقيف على اساسها.
ش. المادة 10/ثانياً : ” يجب على المحكمة أخبار نقابة الصحفيين او المؤسسة التي يعمل بها الصحفي عن اي شكوى ضده مرتبطة بممارسة عمله ” لاتضمن هذه المادة أي شكل من أشكال الحماية عندما توجب اخبار النقابة أو المؤسسة الصحفية التي يعمل لديها الصحفي بالشكاوى ضد الصحفيين فمعلوم ان الإخبار لا قيمة له. كما ان المادة 10 ثالثا التي تنص على انه ” لنقيب الصحفيين او رئيس المؤسسة التي يعمل بها الصحفي او من يخولانه حضور استجوابه أو التحقيق الابتدائي معه أو محاكمته “غير ذات أهمية لانه لا حماية ترتجى من الحضور الاختياري لنقيب الصحفيين أو رئيس المؤسسة الصحفية أو من من يخولانه لجلسة استجواب الصحفي أو التحقيق معه أو محاكمته، فالحضور لا يغني شيئاً، كان اللازم ان يوجب النص عليهما توكيل محامٍ محترف على حساب النقابة أو المؤسسة لحين حسم الدعاوى إضافة إلى ان يكون حضورهم اجبارياً لا اختيارياً.
ل.المادة 11 تمنح عيال شهداء الصحافة راتباً تقاعدياً عدا ما يمنح للشهداء الأخرين، والنص بذلك يميز بين الشهيد الصحفي والشهيد غير الصحفي وهو نص يضرب عرض الحائط مبدأ المساواة بين العراقيين ولذا فهو غير دستوري بالضرورة، كما لا يعلم احد ما مبرر التمييز بين شهيد وشهيد وهل يقبل الصحفيون ان يكونوا بسبب عملهم اسمى من سواهم عندما يستشهدون؟، كما إن الإصابة التي تجيز التعويض في مشروع القانون مبالغ فيها وهي من 30-50 % بينما نسبة الاصابة التي تستلزم التعويض هي 1% في قانون ضحايا العمليات الارهابية والعسكرية النافذ فاين الحماية المقررة للصحفيين.
م. نص المادة 12: ” تقوم الدولة بتوفير العلاج المجاني للصحفي الذي يتعرض للإصابة أثناء تأديته لعمله أو بسببه “، هذا النص لا يوفر حماية تذكر عندما يقرر مسؤولية الدولة عن معالجة الصحفي المصاب فمعالجة المواطن المصاب مقررة أصلاً بموجب نص المادة 30/ثانياً و31/أولاً من الدستور.
ن.المادة 13 : ” تلتزم الجهات الإعلامية المحلية و الأجنبية العاملة في جمهورية العراق بإبرام عقود عمل مع الصحفيين العاملين في تلك الجهات وفق نموذج تعده نقابة الصحفيين في المركز او الأقاليم. ويتم إيداع نسخة من العقد لديها”، لا يستساغ ان تضع النقابة نموذجاً موحداً للعقود التي تبرم مع الصحفيين ، كون ذلك سيمس بحرية التعاقد التي كفلها القانون المدني والدستور ويحد من إمكانية التفاوض التعاقدي بين المؤسسة الإعلامية والصحفي وسيخضِع المؤسسات الإعلامية وهي جهات مستقلة عن النقابة إلى اشتراطات النقابة وقراراتها وهو امر لا نرى انه مقبول أو مستساغ، ولا تعلم ما مبرر إخضاع المؤسسات الإعلامية والصحفي غير المنتمي إلى نماذج عقود تعدها النقابة؟
ه.المادة 14: ” لا يجوز فصل الصحفي تعسفياً وبخلافه يستطيع المطالبة بالتعويض وفق أحكام قانون العمل النافذ” ، والغريب ان هذه المادة تقرر امراً واقعاً عندما تجيز للصحفي المفصول تعسفياً ان يطالب بالتعويض ولا اهمية للنص لتقرير هذه المطالبة ولا حاجة له لانه لاينص على حماية اي حق له
و. المادة- 15 : ” يحظر منع صدور الصحف اومصادرتها الا بقرار قضائي”، ولاتحمي هذه المادة الصحف من المصادرة اومنعها من الصدور لان المشكلة كما بينا ليست في امكانية الحصول على امر قضائي طلما ان القوانين المورثة قد زاد من فاعليتها واستخدامها ضد الصحفيين ومؤسساتهم هذا القانون .
ي.المادة 17 : ” تلتزم وزارة المالية بتوفير التخصيصات المالية المنصوص عليها في هذا القانون “، ولامبرر لوجود هذه المادة حيث ان تمرير القوانين التي تكلف الدولة عبئاً سيصاحبه توفير للتخصيصات المالية بالضرورة، وطالما ان المسودة محل البحث هي مشروع حكومي فهي بالضرورة قد استوفت موافقة المالية فلا عبرة في النص.