شهد عام 2013 ، عودة غير مسبوقة للإستهداف الممنهج ضد الصحافيين في مختلف مناطق العراق ، وبصورة أشد في محافظة نينوى (405 كم شمال بغداد ) التي هجرها أغلب الصحافيين بسبب الاستهداف والتهديدات بالتصفية ، وكانت حصيلة الضحايا هي الأكبر منذ عام 2007 ، اذ تم قتل واغتيال 21 صحافيا وإعلاميا بينهم 17 بسبب عملهم الصحافي .
وسجلت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة أكثر من 286 حالة انتهاك للعمل الصحافي تراوحت بين الإعتقال والاحتجاز ، والضرب والمنع من التغطية أو عرقلتها ، كما سجلت أكثر من 700 دعوى قضائية في “محكمة النشر والإعلام ” وحدها، وجميع هذه الدعاوى كانت مستندة الى مواد “جرائم النشر والقذف والتشهير ” من قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 ، وبعض القوانين الموروثة من الحقبة السابقة التي إعاد العمل بها مايسمى بـ”قانون حقوق الصحفيين ” الذي شرعه البرلمان في اب / أغسطس من عام 2011.
وعلى الرغم من أن عودة استهداف الصحافيين أبرز ماحصل خلال عام 2013 ، الا ان التحدي التشريعي مازال هو الاخطر على حرية الصحافة المكتسبة لاسيما وان السلطتين التنفيذية والتشريعية تعد حزمة مشاريع قوانين لاتهدد فقط حرية الصحافة والإعلام بل تهدد التحول المفترض نحو الديمقراطية في العراق . وسلمتَ جمعية الدفاع عن حرية الصحافة ، مقترح التعديل الأول لـ”قانون حقوق الصحافيين ” الى لجنة الثقافة والإعلام البرلمانية في شهر أيلول / سبتمبر من عام 2013 ، لكن حتى الآن لم يتم ادراجه في جلسات مجلس النواب .
الشهداء
استشهاد (21) صحافياً في مناطق مختلفة من العراق ، لكن محافظة نينوى سجلت الرقم الاكبر في عدد الضحايا لتصبح أخطر المدن العراقية على حياة الصحافيين ، وطيا اسماء الشهداء:-
- اغتيال الصحافي المخضرم حميد رشيد عباس في حي الشرطة الخامسة جنوب غرب بغداد، من قبل مسلحين، بتاريخ 6 شباط / فبراير2013.
- اغتيال المذيع التلفزيوني موفق العاني، من قبل مسلحين في حي المنصور غرب بغداد بتاريخ 6 ايار/ مايو 2013.
- العثور على جثة الصحافي زامل غنام، بعد يوم من خطفه من قبل مسلحين بمنطقة الوشاش في بغداد، بتاريخ 9 حزيران / يونيو2013.
- أغتيال الكاتب والناطق الرسمي باسم ديوان محافظة نينوى قحطان سامي، في شارع الجامعة شمالي مدينة الموصل، بتاريخ 8 تموز/ يوليو 2013.
- اغتيال مراسل قناة الشرقية في الموصل محمد كريم وزميله المصور محمد غانم، من قبل مسلحين بتاريخ 5 تشرين الأول/ أكتوبر 2013.
- اغتيال الاعلامي والناطق باسم محافظة نينوى اسعد زغلول من قبل مسلحين في مدينة الموصل بتاريخ 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2013.
- اغتيال مصور قناة الموصلية الفضائية بشار النعيمي، في مدينة الموصل 24 تشرين الأول/ أكتوبر 2013.
- اغتيال المصور الصحفي علاء ادور عندما كان بالقرب من داره في منطقة المجموعة الثقافية شمالي الموصل، بتاريخ 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013.
- مقتل الصحي وضاح الحمداني مراسل قناة بغداد، في البصرة، جراء اطلاق نار عشوائي ، بتاريخ 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013.
- اغتيال الكاتب والصحفي عادل محسن حسين من قبل مسلحون بالقرب من المجمعات الحكومية في حي الضباط جنوبي مدينة الموصل، بتاريخ 2 كانون الأول/ ديسمبر 2013.
- اعدام الصحفي العراقي ياسر الجميلي في سوريا على يد عناصر “جبهة النصرة ” بتاريخ 3 كانون الأول /ديسمبر2013.
- اغتيال الصحفي كاوه كرمياني من قبل مسلحين في مدينة كلار باقليم كردستان، وذلك بتاريخ 5 كانون الأول/ ديسمبر 2013.
- اغتيال مقدمة برامج في قناة الموصلية نبراس النعيمي بالقرب من منزلها في الموصل بتاريخ 15 كانون الأول /ديسمبر2013.
- مقتل الصحافي مهند محمد جراء تفجير انتحاري في منطقة الدورة ببغداد بتاريخ 19 كانون الأول/ ديسمبر 2013.
- استشهاد 5 من كادر “قناة صلاح الدين “، هم : (مدير الاخبار رعد البدري ،والمذيعة وسن صبري العزاوي ، والمشرف اللغوي احمد خطاب ، والزميلان جمال ناصر و محمد عبد الحميد ). جراء احتلال مقر القناة في تكريت من قبل عناصر “داعش” ، في 23 كانون الاول / ديسمبر 2013.
- استشهاد الصحافي عمر الفراجي برصاص قناص اثناء تغطيته لاحداث فض الاعتصامات في مدينة الرمادي مركز محافظة الانبار يوم الثلاثاء 31 كانون الأول / ديسمبر 2013.
الافلات من العقاب
ترى جمعية الدفاع عن حرية الصحافة، أن استمرار عمليات استهداف الصحافيين في العراق، ليست ناتجة عن التدهور الأمني وحسب، ؛ بل ثمة استهداف ممنهج للصحافيين تقوم به القوى الإرهابية والجماعات الخارجة على القانون والميليشيات.
ويأتي هذا الاستمرار في الاستهداف نتيجة افلات الجناة من العقاب، وعدم جدية الاجهزة الامنية في ملاحقة المجرمين، الامر الذى شجع جهات عدة على استغلال حالة الصمت واللامبلاة للسلطات الحكومية ،لاسيما وأن السلطات المختصة لم تقم باي اجراءات حقيقية لملاحقة قتلة الصحافيين ، كما لم تكشف عن الجهات المسؤولة عن استهدافهم منذ عام 2003 .
ولم يتم اللقاء القبض على اي من الجناة، سوى ما أعلنته السلطات الامنية في اقليم كردستان بشأن القاء القبض على قتلت الصحافي كاوة كرمياني دون كشف مزيد من التفاصيل. ولا تتوفر القناعة الكافية لما اعلنته السلطات الأمنية بعد اعتقال أحد الأشخاص ، الذي اعترف بجريمة إغتيال الصحافية نورس النعيمي، مستدركاً أن سبب القتل هو لسرقة حقيبتها ، وهو ما تستبعده الجمعية في ظل الاستهداف الممنهج للصحافيين وفي محافظ نينوى بشكل خاص .
عودة التهديدات وتصاعد الإنتهاكات
سجلت الجمعية ، 36 حالة تهديد بالقتل تعرض لها صحافيون وإعلاميون من مختلف مناطق العراق ، بينهم رئيس صحيفة “العالم الجديد ” فراس سعدون ، والصحافي مهند داود الموجود حالياً في بلد مجاور، ومراسل قناة “الفيحاء ” في البصرة أحمد عبد الصمد. وأضطر 12 صحافياً منهم الى مغادرة البلاد ، فيما فضل بعضهم ترك محافظته ومكان عمله لفترة محدودة عسى ان تتوقف التهديدات ضده ، لكن المؤسف هو قرار البعض منهم بهجر العمل الصحافي وعدم العودة له مطلقاً.
كما سجلت الجمعية ، العديد من الانتهاكات ، التي تعكس عقلية السلطات ونظرتها الى الصحافيين ووسائل الإعلام ، لاسيما وان قيادات العمليات في بغداد وباقي المحافظات ، لاتسمح بإعداد اي مادة صحافية الا بعد الحصول على موافقات أمنية ، ويتم منح هذه الموافقة بحسب مزاجية القوات الأمنية وليس وفق ضوابط محددة ، وأبرز الإنتهاكات التي سجلتها الجمعية هي :
1- تسجيل 35 حالة إعتقال واحتجاز في مختلف مناطق العراق .
2- 188 حالة إعتداء بالضرب ومنع وعرقلة التغطية من قبل السلطات الأمنية.
3- 15 حال استهداف لوسائل الإعلام من قبل جهات مسلحة، وقوات أمنية .
4- إغلاق 13 وسيلة إعلامية بينها 10 تم سحب ترخيصها من قبل “هيئة الإعلام والاتصالات” ، اغلبها من دون أوامر قضائية . كما تسعى الهيئة الى السيطرة على وسائل الاعلام المطبوعة (الصحف والمجلات ، وجميع المطبوعات) ، من خلال فرض اجراءات منح الاجازة عليها ، تمهيداً للالزامها بسياسية تحريرية معينة ، وهذا يخالف الدستور العراقي ومبادئ اي نظام ديمقراطي ، الذي لايفرض اي نوع من الاجازات والموافقات المسبقة على إصدار المطبوعات ، ولعل هذا مايميز النظم الديمقراطية عن سواها .
التحدي التشريعي
مازال “قانون حقوق الصحافيين ” الذي شرعه البرلمان في اب / أغسطس من عام 2011 ، يمثل تحديا كبيرا وخطرا حقيقيا على حرية الصحافة بصورة خاصة وحرية التعبير بصورة عامة ، لاسيما وان هذا القانون يحتوي على 5 مواد شرعنت العمل بالقوانين الموروثة من الحقبة السابقة ، وهذه المواد هي :-
1- ” المادة 4 اولا ونصها : ” للصحفي حق الحصول على المعلومات والأنباء والبيانات والإحصائيات، غير المحظورة من مصادرها المختلفة وله الحق في نشرها بحدود القانون ” ، وأشتراط منح الصحفي حق الحصول على المعلومات بـ”غير المحظورة وحق نشرها بحدود القانون”، يفرغ المادة من محتواها ، ويجعلها لاتكفل أي حق جديد للصحفيين أو امكانية للحصول على المعلومة ، فالقوانين التي يجب احترامها بشأن حظر المعلومات أو نشرها هي القوانين النافذة الموروثة من عهد نظام صدام التي شرعتها النظم الإستبدادية السابقة ، لذلك فأن المادة شرعنت التكتم على المعلومات وشرعنت حظر نشرها للمتلقي بإسم قوانين الأمس.
2-المادة 5 ثانيا “للصحفي حق التعقيب فيما يراه مناسباً لإيضاح رأيه بغض النظر عن اختلاف الرأي و الاجتهادات الفكرية، و في حدود احترام القانون”،وهذه المادة تعيد تفعيل القوانين الموروثة ايضا لان عبارة في حدود احترام القانون تشمل جميع القوانين السابقة واللاحقة.
3-المادة 6 اولا ” للصحفي حق الاطلاع على التقارير والمعلومات والبيانات الرسمية وعلى الجهة المعنية تمكينه من الاطلاع عليها والإفادة منها ،ما لم يكن إفشاؤها يشكل ضرراً في النظام العام و يخالف أحكام القانون”.وهذه تشرعن القوانين الموروثة التي لاتسمح باي حرية للاعلام ، كما انها تمنع اي معلومات تنشر عن الفساد الاداري والمالي بل وتحاكم الصحافيين وفقا لمواد التشهير الجنائي في قانون العقوبات العراقي .
4- المادة 7: “لا يجوز التعرض الى أدوات عمل الصحفي، الا بحدود القانون”. هذه المادة لاتوفر اي حماية لانها اعادة “بحدود القانون ” ، اي هو شرعنة وتفعيل مرة اخرى للقوانين الموروثة ، والقوانين الموروثة تجيز مصادرة المعدات لشتى الاسباب ، وبحسب مزاجية رجل الأمن .
5- المادة 8 ” : “لا يجوز مساءلة الصحفي عما يبديه من رأي او نشـر معلومات صحفية وان لا يكون ذلك سبباً للإضرار به ،ما لم يكن فعله مخالفاً للقانون” . وهذه المادة لاتوفر اي حماية لان اي ممارسة لعمل صحافي حر هو مخالفة لقوانين الحقبة الدكتاتورية الموروثة وهي :
1 – قانون العقوبات العراقي 111 لسنة 1969 .
2- قانون المطبوعات رقم 206 لعام 1968.
3- قانون وزارة الاعلام لسنة 2001 .
4- قانون الرقابة على المصنفات والافلام السينمائية رقم 64 لسنة1973.
5- قانون نقابة الصحفيين لسنة 1969 .
ويضاف لهذه القوانين ،امر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 14 لسنة 2003 التي تخص النشاط الاعلامي المحظور وتعطي الصلاحية لرئيس الوزراء في غلق اي وسيلة اعلامية ومصادرة معداتها واموالها بل وسجن العاملين فيه. كما ان القوانين الموروثة تتيح للحكومة ليس فقط مراقبة وسائل الاعلام والتدخل في سياستها التحريرية بل وحتى تأميم وسائل الاعلام والصحف لاسيما وان القوانين الموروثة لاتسمح للاعلام الخاص وتنص صراحة على ان جميع وسائل الاعلام والصحف يجب ان تكون مملوكة للدولة ، لذلك ترى جمعية الدفاع عن حرية الصحافة ومعها مئات الصحفيين وعشرات المنظمات المحلية والدولية لاسيما “المبادرة الدولية لدعم المجتمع المدني العراقي ” ان هذا القانون يهدد حرية الصحافة ويعيد انتاج اعلام السلطة مرة اخرى . وقدمت الجمعية المقترح الأول لتعديل “قانون حقوق الصحفيين ” ، الى لجن الثقافة والاعلام البرلمانية في شهر ايلول / سبتمبر من عام 2013 ، لكن حتى الآن لم يتم ادراجه ضمن جلسات البرلمان لعرضه للقراءة ومن ثم التصويت . وساند هذا المقترح أكثر من 800 صحافي واعلامي عراقي .
وبالأضافة الى ” قانون حقوق الصحفيين ” فأن البرلمان يحتفظ بحزمة مشاريع قوانين تهدد حرية الصحافة وحرية التعبير بمفهومها العام ، في تحدي واضح للدستور العراقي وللمواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها الدولة العراقية ، ومشاريع القوانين هي :-
- القوانين المطروحة للتشريع تحت قبة البرلمان هي :
1- مشروع قانون حرية التعبير والتظاهر السلمي : وتمت قراءة هذا القانون قراءة اولى وثانية في البرلمان وتعد الجمعية هذا المشروع محاولة لخنق حرية الراي والتعبير والحق في الحصول على المعلومة والحق في الاجتماع والتظاهر السلمي حتى الموت ، لاسيما وان مشروع القانون يفرض الحصول على اجازات مسبقة للتظاهر وليس اعلام فقط ، كما ان القانون يضع قيودا على حرية التعبير التي يجب ان تبقى في اطرها الدستورية ومعاييرها الدولية كما نصت المادة 38 من الدستور التي لاتجيز تشريع قانون ينظم عمل الاعلام او حرية التعبير لانها نصت على مايلي ،”تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب:
اولاً :ـ حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل،ثانياً :ـ حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر،ثالثاً :ـ حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون”. اي ان مايسمح به الدستور هو اصدار قانون لتنظيم التظاهرات ، ويجب ان يتقصر الام على الاعلام وليس الاجازة .
2- مشروع قانون جرائم المعلوماتية : وعلى الرغم من أن البرلمان استجاب لمطالبة جمعية الدفاع عن حرية الصحافة والعديد من المنظمات المحلية والدولية ، وذلك برفع مشروع القانون من جدول اعماله وإعلان الغائه ، الا انه لايزال يشكل تهديدا لاسيما وان الدستور العراقي النافذ لايمنح البرلمان صلاحية الغاء مشروع قانون قادم من السلطة التنفيذية ، ما يعني ان السلطة التنفيذية تتمكن من تحريكه في اي وقت . ويتضمن “مشروع قانون جرائم المعلوماتية ” ، “31” مادة وعشرات الفقرات والبنود التي نصت على احكام عقابية ، تراوحت بين السجن المؤبد والغرامات المالية المرتفعة، جعلت من مشروع القانون واحداً من اشد المشروعات العقابية قسوة وشدة منذ عام 2003. كما ان الكثير من النصوص الواردة في مشروع قانون “جرائم المعلوماتية ” تتعارض مع احكام الدستور .
3- قانون الاتصالات والمعلومات.
4-قانون هيئة الاعلام العراقية .
5-قانون هيئة الاعلام والاتصالات . 6-قانون وزارة الاتصالات وتكنلوجيا المعلومات.
وكان الجانب الوحيد الذي مثَل بارقة أمل في حماية حرية التعبير وتعزيزها هو إعلان “لجنة الثقافة والإعلام البرلمانية ” ، في شهر تشرين الأول / اكتوبر الماضي تقديم مقترح “قانون حق الحصول على المعلومة ” للقراءة الأولى في البرلمان ، وكان هذا المقترح ، جيداً ويتوافق مع المعايير الدولية لحرية التعبير ، لكن سرعان ما تبدد هذا الأمل بعد سحب السلطة التنفيذية للمقترح ، واجبار البرلمان على مناقشة مسودة أخرى قادمة من مجلس شورى الدولة . والمسودة التي أعدها “مجلس شورى الدولة ” ، تعمل على حجب المعلومات وتقييدها بذرائع وحجج مختلفة ، ولاتسمح للصحافي أو للمواطنين بالحصول على أي معلومات ذات أهمية .