تحسين الزركاني
اختلطت الأوراق منذ العام ٢٠٠٣ حتى اليوم كما اختلفت مفاهيم الحريات في ظل غياب القوانين والتشريعات، وان اقر بعضها لكنها بقى حبيس الاروقة والادراج، ولعل حداثة التجربة كما يتحجج بعض صانعي القرار كانت شماعة لتعليق الأخطاء، فبين غياب القوانين والسياسات الإعلامية التي انتهجتها غالبية القوى السياسية التي بنت لنفسها امبراطوريات ومافيات ومنصات إعلامية هفتت أصوات المعترضين لضعف الأدوات والموارد الاقتصادية التي تمكن منها الاعلام السياسي والحزبي، الذي جعل بعض المؤسسات الإعلامية تنتهج أساليب بعيدة كل البعد عن الاخلاقيات المهنية لأداء الرسالة الإعلامية تجاه الجمهور الذي فقد الثقة تدريجيا بتلك المؤسسات ليذهب الى الصحافة البديلة او اعلام المواطن (منصات التواصل الاجتماعية)، والتي نجح من خلالها الى جر الاعلام التقليدي الى انشاء حسابات وصفحات في تلك المنصات املا في استعادة الجمهور.
ولعل غياب أدوار النقابات والاتحادات المعنية في رقابة المشهد الصحافي لانشغال القائمين عليها بتحقيق مصالحهم، من خلال التودد لصانع القرار في البرلمان او الحكومة، واحد من أسباب خلط الأوراق بين تفسير مفاهيم الحريات وتشريع القوانين من خلال تطبيق ما ورد في الدستور العراقي لعام ٢٠٠٥، ويتعلق بالحريات العامة، فحتى اليوم لم نلمس من قانون حقوق الصحفيين نفعا، كما غاب قانون حق التظاهر السلمي وحق الوصول الى المعلومة، فيما نشاهد سباق تحد في كل دورة برلمانية لتشريع (قانون الجرائم الالكترونية)، بعباراته المطاطية التي يمكن ان تكون سببا في تجريم كل معارض او كاشف لفضائح الساسة والأحزاب الحاكمة، كما ان نمو مخالب تلك الأحزاب بتأسيس ميلشيات وفصائل مسلحة تهدد وتتوعد وتقتل كل صوت يكشف في يوم ملف فساد في مؤسسات مستقلة بات من الصعب جدا الحفاظ على ديمومتها.
ان التحلي بالأخلاقيات المهنية والحفاظ عليها مع تنامي التهديدات بالسلاح المنفلت وهيمنة الكتل السياسية ونفوذ الأموال على الساحة الإعلامية مع قوانين الفكر الشمولي بات تحد كبير لكثير من الصحفيين المستقلين الذين يبحثون وسط الفوضى والركام عن فضاء حر يضمن لهم مساحة أداء مهامهم الإنسانية والوطنية لتنوير المجتمع وحماية حقه والدفاع عن الديموقراطية التي أعلنت في الدستور مع وقف التنفيذ.